الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد في كلمته خلال المنتدى أن “أفكار رجل الدولة البارز والمفكر يفغيني بريماكوف حول مستقبل النظام العالمي، استنادا إلى تحليله العميق للعمليات الموضوعية والتوقعات العلمية، هي أشد ما يحتاج إليه العالم اليوم”.
تأطير فكري
مراقبون يرون أن هذا المنتدى رغم انعقاده سنويا، لكنه حظي باحتفاء مضاعف هذه السنة في أروقة الحكم والإعلام في روسيا، في مسعى وفقهم لتأطير سياسات موسكو الحالية المناوئة للغرب والمدافعة عن عالم متعدد الأقطاب، في قوالب فكرية ونظرية يعد بريماكوف أبرز منظريها، والذي هو صاحب نظرية “مثلث بريماكوف الاستراتيجي” المتكونة أضلاعه من تحالف الصين وروسيا والهند.
ويقول الباحث والخبير بالشؤون الروسية بسام البني، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “بريماكوف يعتبر سياسيا نادرا في روسيا الاتحادية التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ترك بصمة كبرى عبر محطات لامعة في تاريخه السياسي، أبرزها أنه وافق على تسلم رئاسة الوزراء في روسيا عام 1998، حينما أفلست البلاد حينها وعجزت عن تسديد ديونها الخارجية ليتمكن من امتصاص تلك الصدمة”.
ويضيف البني: “ومع تسلمه لرئاسة الحكومة الروسية تم إطلاق مصطلح (مبدأ بريماكوف) والذي يعتبر مهندس السياسة الروسية المعاصرة القائمة على عدم الاعتماد على العلاقة مع جهات محددة فقط، بل العمل على نسج صلات وشبكة علاقات واسعة مع مختلف دول العالم ولا سيما المؤثرة منها”.
وتابع: “فمثلا عندما كان على متن الطائرة متوجها للولايات المتحدة لبحث الأزمة اليوغسلافية، وصله خبر بدء حلف الناتو بقصف بلغراد فما كان منه إلا أن يأمر قائد الطائرة بالعودة، وهو موقف رفع من شعبيته في روسيا، لدرجة أن الرئيس الروسي بوريس يلتسين بات يخشى من ارتفاع أسهمه الجماهيرية”.
“الأب الروحي” للسياسة الخارجية الروسية
“ولهذا فبريماكوف يمكن وصفه بأنه الأب الروحي للسياسة الخارجية الحديثة لروسيا التي تم بناءها وفق رؤاه والتي يمكن تلخيصها في جملة مبادئ أساسية وهي، أن روسيا لا تعادي أحدا لحساب أحد، وأنها دولة مستقلة لا تقبل الإملاءات والتدخل في شؤونها”، كما يقول الخبير بالشؤون الروسية.
الفضاء الأوراسي
وأشار البني إلى أن “بوتين في عام 2008 في مؤتمر ميونيخ للأمن استرشد في خطابه ببريماكوف، ولهذا تحرص روسيا على الاحتفاء بأفكاره في سياق هذا المنتدى السنوي الذي يعقد على مستوى الخبراء والدبلوماسيين والساسة حول العالم، خاصة وأن هذه الدورة تعقد تحت عنوان: تحول النظام العالمي.. البعد الأوراسي.. وما هي الأشكال التي يتخذها العالم الحديث وإلى أين يتجه؟”
ويختم المتحدث: “تعمل روسيا عبر مثل هذه المبادرات على تشكيل فضاء أوراسي كبير، حيث تمثل منطقة أوراسيا غالبية العالم مساحة وسكانا، وللتعبير عن مصالح مختلف مناطق العالم وقاراته كأفريقيا وأميركا الجنوبية، في وجه الهيمنة الغربية”.
بدوره يقول الباحث والخبير بالشؤون الأوروبية ماهر الحمداني، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “حينما يختار الروس بريماكوف عنوانا وعرابا لهم في هذا التوقيت بالذات، فهم يبعثون رسالة جلية، حيث أن بريماكوف هو من غير وجه بلاده بعد أن كانت قد خسرت مكانتها كقطب دولي إثر تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث كانت مرحلة ضياع الهوية الروسية والتشكيك بالذات والاستسلام للهيمنة الأميركية على العالم”.
ويضيف الحمداني: “لكن مع وصول هذا الرجل لموقع القرار تمكن من صياغة خطاب وممارسة سياسيين تمكنا من إعادة روسيا للواجهة مجددا وإعادة جزء من مكانتها السابقة كقوة عالمية منافسة للكتلة الغربية، وذلك عبر صياغة أفكار تعيد الثقة بالنفس بعد فقدانها”.
وتابع: “وهكذا فموسكو تقول الآن عبر استذكار بريماكوف أن روسيا قطب عالمي، وأن ثمة أسس فكرية تنظر لرؤى وأهداف هذا القطب، الهادف لكسر الأحادية القطبية التي تمارسها واشنطن منذ 3 عقود”.
ويختم الحمداني: “نقطة القوة الروسية المحورية وفق صناع الفكر والقرار الروس، هي أن روسيا تقود أوراسيا الكبرى، كونها كأكبر بلد بالعالم وتضم مساحات شاسعة من قارتي آسيا وأوروبا، وأن هذه المنطقة الاستراتيجية هي مجال روسي حيوي يؤهل موسكو للعب دور ريادي عالمي وازن”.