عقبات أمام التطور العسكري في ألمانيا
يرى خبراء أن ألمانيا تواجه صعوبة في زيادة مشترياتها الدفاعية، رغم تمتعها بتمويل خاص بقيمة 100 مليار يورو لإعادة معداتها العسكرية إلى المستوى الاعتيادي بعد عقود من الاستنزاف منذ نهاية الحرب الباردة.
وبعد ثلاثة أيام فقط من هجوم روسيا على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، ألقى المستشار الألماني أولاف شولتس خطابا أمام البرلمان معلنا عن خطط “غير مسبوقة” لأكبر استثمار على الإطلاق لتطوير الجهاز العسكري في البلاد.
وقال شولتس: “يجب أن نستثمر أكثر وبشكل كبير في أمن بلدنا لحماية حريتنا وديمقراطيتنا”، معتبرا ذلك “جهدا وطنيا كبيرا، والهدف هو جيش ألماني يتسم بالكفاءة والتقدم والحداثة، ويحمينا بشكل موثوق”.
وبينما كان الجميع ينتظر تنافس شركات أسلحة ألمانية ودولية على الحصول على جزء كبير من المال المخصص لتطوير الجهاز العسكري، إلا أنه لم يحدث شيء بالفعل.
** بيروقراطية معقدة
كريستيان مولينغ، عضو المجلس الألماني للعلاقات الخارجية ومقره برلين، قال إن عملية الشراء معقدة، والقرارات الخاصة بأنظمة أسلحة معينة تتبع معايير السياسة الاستراتيجية والصناعية.
وأوضح مولينغ في تصريحات خاصة لإذاعة “دويتشلاند فونك” المحلية، أن القرارات المتعلقة بأنظمة الأسلحة الجديدة “غالبا ما تكون طويلة وغير منظمة”.
واستشهد عضو المجلس بخطط وزارة الدفاع لاستبدال طائرات “تورنيدو” المقاتلة القديمة، كمثال على هذه المشاكل البيروقراطية.
وأضاف: “كانت هناك عملية طويلة فيما يتعلق بالطائرات أو مزيج الطائرات الذي نريد استخدامه كبديل لطائرة تورنيدو. استمرت العملية لسنوات، حيث لم يتخذ القرار لا لأسباب سياسية ولا عسكرية”.
ومتحسرا قال مولينغ: “بين عشية وضحاها، قرر المستشار أنه يريد الآن شراء طائرة أمريكية معينة، وبالتالي فهذا قرار سياسي وليس قرارا تجاريا”.
من جانبه، قال رئيس اتحاد القوات المسلحة الألمانية أندريه فوستنر، في تصريجات لشبكة “ويلت” التلفزيونية إن “الوزارة لا تزال في مرحلة التحليل. لدينا هياكل وعمليات مختلة، ومشاكل هائلة تتعلق بتجنيد الشباب، ولدينا أيضا تنظيم مفرط”.
ورغم ذلك، انطلقت عملية شراء عسكرية في الآونة الأخيرة، ووقعت ألمانيا صفقة بقيمة 10 مليارات يورو لشراء 35 مقاتلة أمريكية من طراز F-35 لتحل محل أسطولها القديم من طائرات تورنيدو.
ومع ذلك، سيستغرق أمر اكتمال الصفقة حتى عام 2027 قبل أن تصبح الطائرات الجديدة جاهزة للاستخدام.
** نقص في المعدات
وللتأكيد على وجود مشاكل أخرى تتعلق بنقص المعدات والمواد العسكرية، قال فوستنر: “في الوقت الحالي، ما زلنا نقوم بأشياء جيدة فيما يتعلق بالجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والمهام التي ننفذها حاليا في مالي والعراق وغيرها”.
وأضاف: “لكننا نرسل معدات إلى أوكرانيا ولا نستبدلها. وحتى الـ100 مليار يورو (التي تم رصدها لتطوير القدرات العسكرية) لم توقع بها عقود بعد، وهذه هي الحقيقة”.
ويسرد التقرير السنوي الحالي للمفوض العسكري في البرلمان الألماني، إيفا هوغل، كمية المخزون الفعلي المتاح من الأسلحة والمعدات.
وحسب التقرير، تبلغ الجاهزية التشغيلية عند متوسط 68 بالمئة لمركبة المشاة القتالية “ماردير” ومقاتلة تورنيدو وطائرة هليكوبتر “سي كنغ” متعددة الأغراض.
وشدد ألفونس ميس، مفتش الجيش الألماني، في مقابلة مع صحيفة “تاج شبيغل” على مشاكل النقص التي يعاني منها الجيش.
وقال: “الجيش الذي أقوده خالي الوفاض إلى حد ما. الخيارات التي يمكن أن نقدمها للساسة لدعم حلف الناتو محدودة للغاية”.
ويعاني الجيش الألماني من مشاكل كثيرة بشأن صيانة الدبابات والمروحيات وتعطل البنادق وقلة الملابس الداخلية الحرارية لتدفئة الجنود الذين يتدربون في البرد.
كما تم الكشف عن آخر الأخبار حول نقص الذخيرة بعد ظهور تساؤلات بشأن الحفاظ على إمدادات الأسلحة التي يتم إرسالها إلى أوكرانيا لدعمها في حربها مع روسيا.
ويزيد البرلمان الألماني من الضغط على الحكومة لإيجاد حل سريع لمشكلة نقص الذخيرة في سلاح الجو.
** تداعيات الماضي
ووفقا لتقديرات وزارة الدفاع، يجب شراء ذخيرة بقيمة 20 مليار يورو لتلبية متطلبات حلف “الناتو”، حيث تتطلب الاتفاقية العسكرية للحلف أن يكون لدى قوات دوله مخزون ذخيرة لمدة 30 يوما، وهو ما لا يتحقق للجيش الألماني.
وقالت المفوض العسكري في البرلمان الألماني إيفا هوغل لصحيفة “زود دويتشه تسايتونج”: “نحن بحاجة إلى جدول زمني للقضاء على هذا العجز”.
وأوضحت أن “نقص الذخيرة في سلاح الجو هو نتيجة لسنوات من سياسات التقشف في القوات المسلحة، وحقيقة أن الدفاع الوطني والدفاع ضمن حلف الناتو لم يكن على رأس الأولويات”.
بدوره، أكد المحلل السياسي الألماني إيوالد كونيغ، أن الأسباب الجذرية للمشاكل العسكرية الألمانية تعود إلى الطريقة التي تم التعامل معها على مدار الثلاثين عاما الماضية.
وقال كونيغ للأناضول: “ندفع حاليا ثمن الطريقة التي عومل بها الجيش الألماني في الماضي. فمنذ إعادة التوحيد (بين جيشي شرق وغرب ألمانيا)، واجه الجيش إجراءات لخفض التكاليف فقط”.
وأضاف: “الكثير من المعدات العسكرية لا تعمل، وهناك نقص في الذخيرة، ونقص في الحافز لدى الجنود”.
** توسيع نطاق العمل
صناعة الدفاع الألمانية أعربت مرارا وتكرارا عن استعدادها لزيادة إنتاجها من الأسلحة.
ويؤكد هانز كريستيان أتزبوديان مدير جمعية الصناعات الأمنية والدفاعية الألمانية، إن “جميع الشركات قالت إنها قادرة على توسيع نطاق عملها، ومستعدة لتوظيف أشخاص جدد والعمل لفترات أطول”.
ويعد ارتفاع أسعار الطاقة وركود سلاسل التوريد وشح المواد ونقص العمال المهرة، جزءا من المشاكل التي تعاني منها صناعة الأسلحة في ألمانيا.
وقال أتزبوديان: “هناك مشاكل واضحة في توريد المواد الخام وبعض المنتجات الأولية، خاصة في قطاع الإلكترونيات”.
في هذا الصدد، يضيف أتزبوديان: “لا نختلف عن القطاعات الأخرى مثل السيارات وغيرها، لكننا نتنافس أيضا مع الآخرين في سوق العمل على العمالة الماهرة”.
** رؤية استراتيجية غائبة
يأسف الخبراء على حقيقة افتقار الحكومة الألمانية إلى رؤية أمنية استراتيجية واضحة وطويلة المدى.
وتؤكد جوليا بيرغوفر عضو “شبكة القيادة الأوروبية”، وهي مؤسسة فكرية مقرها لندن، أنها لم تعثر على مفهوم واضح واستراتيجية سياسة أمنية تقدم إجابات للتهديدات الجديدة.
وقالت بيرغوفر لمحطة “دويتشلاند فونك” الإذاعية: “ليس الأمر واضحا بالنسبة لي في الوقت الحالي. قد يكون هناك استراتيجية، لكن بصفتي شخصا لا يعمل في وزارة وليس في الجيش، أتساءل أين هذه الرؤية الاستراتيجية”.
وأضافت: “لدينا تهديد كبير وسيناريو ملموس في أوكرانيا، ويمكننا النظر في سيناريوهات أخرى لكيفية تصعيد الموقف مع روسيا أو عدم تصعيده”.
وشددت على أهمية امتلاك خارطة طريق واضحة لكيفية حل المشاكل الملحة لسياسة المشتريات.
المضصدر: وكالة الأناضول