تطورات كوسوفو تفتح جراح الماضي.. ذكريات الألم والحرب حاضرة

6


وكانت حدة التوتر قد ارتفعت مجددا، الأسبوع الماضي، على خلفية إعلان السلطات المحلية في بريشتينا، ذات الهوية القومية الألبانية، اعتزامها إجراء انتخابات في بلديات المدن والقرى ذات الأغلبية السكانية التي يحمل أفرادها الهوية القومية الصربية، مما أدى، في الموازاة، إلى إعلان أكبر حزب صربي في الإقليم اليوغسلافي السابق اعتزامه مقاطعة عمليات الاقتراع، وبالتالي إرجاء موعد الانتخابات حتى أبريل 2023.

خلفيات الأزمة

بحسب خبراء متخصصين في دراسة عوامل الانقسام بين أبناء القوميتين المتناحرتين، في إطار مشاهد الفسيفساء الإثنية والعرقية التي تتشكل منها خريطة البلقان بأكملها، ينبغي الرجوع، في الحالة كوسوفو الراهنة، إلى المحطات التالية:

  • تلميح الزعيم السياسي لألبان كوسوفو إبراهيم روغوفا، عام 1998، عن رغبته في ضم الإقليم إلى ما كان يُسمى (وقتذاك) مشروع إقامة “ألبانيا الكبرى”.
  • قيام عناصر “جيش تحرير كوسوفو”، تحت قيادة هاشم تاتشي، باستخدام أسلوب القنص لاستهداف جنود الجيش اليوغسلافي وقوات الشرطة الصربية في كوسوفو.
  • دخول عناصر “ميليشيا النمور الصربية”، تحت قيادة جيلكو راجناتوفيتش (أركان)، على خط المواجهة العسكرية مع مناصري المشروع الألباني في الإقليم.
  • الترويج لمصطلحات “الإبادة والتطهير العرقي” في وسائل الإعلام الغربية لدى التطرق بالحديث عن تلك المواجهات.

بين سولانا وهولبروك

في سياق العودة إلى تفاصيل تلك المرحلة التاريخية الهامة، وانعكاسات تأثيرها على المرحلة الراهنة، ينبغي التذكير أيضا بالمحطات التالية:

  • قيام الرئيس الأميركي بيل كلينتون بإيفاد مبعوثه الشخصي إلى البلقان ريتشارد هولبروك للتباحث مع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش، في بلغراد، بشأن السبل الكفيلة بإنهاء الوضع المتأزم في كوسوفو.
  • تركيز تصريحات الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي خافيير سولانا على استخدام مصطلح “وحشية” الجيش اليوغسلافي وقوات الشرطة الصربية في “قمع المتطلعين إلى الاستقلال” من أبناء القومية الألبانية في الإقليم.
  • خروج هولبروك وسولانا، من بروكسل، في مؤتمر صحفي مشترك عُقد بتاريخ 23 مارس 1999، للإعلان عن أن “مهمة المبعوث الأميركي مع ميلوسوفيتش وصلت إلى طريق مسدود”.
  • شروع مقاتلات الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، في اليوم التالي، بشنّ ما بلغت حصيلته 10484 غارة جوية، خلال 77 يوما، ضد “الأهداف العسكرية اليوغسلافية”، وفقا لما كان يأتي، تباعا، على لسان كل من المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) كينث بايكون والمتحدث باسم حلف الناتو جيمي شيا، في مؤتمراتهما الصحفية المتعاقبة.

الرد اليوغسلافي

جدير بالذكر أن 4 أيام لم تكد تمر في عُمر الحملة العسكرية الأميركية – الأطلسية على يوغسلافيا حتى تمكّن اليوغسلافيون من تحقيق عدة إنجازات هامة:

  • إسقاط طائرة “الشبح الأسود” الأميركية المخصصة لأغراض الاستطلاع والتجسس أثناء تحليقها في المجال الجوي اليوغسلافي.
  • إلقاء القبض على أحد الجنود الأميركيين لدى تسلله من مقدونيا إلى يوغسلافيا.
  • قبول الرئيس ميلوسوفيتش جهود الوساطة التي قام بها الرئيس القبرصي السابق سبيروس كبريانو، بطلب من الولايات المتحدة، للإفراج عن الجندي الأميركي المعتقل.
  • توفير إجماع في أوساط أحزاب المعارضة، بما فيها “حزب الديمقراطية الجديدة” بزعامة دوشان ميخائيلوفيتش، على مؤازرة الرئيس ميلوسوفيتش في مواجهة “العدوان الخارجي على البلاد”، إلى حين انتهائه، بحسب ما جاء على لسان ميخائيلوفيتش نفسه.
  • نجاح مفتي بلغراد وعموم صربيا، الشيخ حمدي يوسف سباهيتش، في التأكيد لوسائل الإعلام الأجنبية بأن “لا إبادة ولا أي تطهير عرقي يجري في كوسوفو ضد الألبان على أيدي الصرب”.
  • الإبقاء على أبواب مؤسسة “ميديا سنتر”، التي يملكها الملياردير الأميركي من أصل مجري جورج سوروس، مشرّعة أمام الزوار في وسط بلغراد.

المبادرة الروسية

في مطلع يونيو 1999، أوفد الرئيس الروسي بوريس يلتسين رئيس وزرائه فيكتور تشيرنوميردن إلى العاصمة اليوغسلافية للقاء الرئيس ميلوسوفيتش، بالتزامن مع وصول الرئيس الفنلندي مارتي إختساري، حيث حملا معهما خطة التسوية المقترحة لإقليم كوسوفو، عن طريق إجراء مفاوضات مباشرة بين الجيش اليوغسلافي وحلف الناتو.

وسرعان ما بدأت هذه المفاوضات بعدما قام ميلوسوفيتش بتحويل الخطة إلى البرلمان لدراستها، فصوّت لصالحها 138 نائبا، وضدها 77 نائبا، بينما امتنع 3 نواب عن التصويت، لتسفر المفاوضات في النهاية عن التوقيع على “اتفاق كومانوفو”، بتاريخ 9 يونيو 1999، الذي شرعن انسحاب الجيش اليوغسلافي من كوسوفو، مع الاحتفاظ بحقه في الإبقاء على مراكز ثابتة لمراقبة النقاط الحدودية هناك، تماما مثلما شرعن دخول قوات “كي فور” الأطلسية، بقيادة الجنرال البريطاني مايك جاكسون، إلى الإقليم.

الخدعة الأميركية

بحسب دراسات وبيانات حصل عليها موقع “سكاي نيوز عربية” من شهود عيان تابعوا، ميدانيا، وقائع تلك المرحلة، ينبغي استحضار المحطات التالية:

  • تراجُع رئيس صندوق النقد الدولي، ميشيل كامديسو، عن تصريحات سابقة أدلى بها قبل يومين من بدء مبادرة فيكتور تشيرنوميردن في بلغراد بشأن الموافقة على منح روسيا قرضا معلّقا منذ 1994.
  • اتخاذ الرئيس الروسي بوريس يلتسين قراره المفاجئ، بتاريخ 11 يونيو 1999، لتحريك وحدات بلاده المشاركة قوات السلام الدولية العاملة في البوسنة باتجاه مطار بريشتينا للسيطرة عليه، أي قبل يوم واحد من دخول قوات “كي فور” إلى الإقليم.
  • تصبّب قائد القوات الأطلسية، الجنرال البريطاني مايك جاكسون، عرقًا، لدى إجابته على سؤال لأحد الصحفيين عمّا إذا كان وجود القوات الروسية في مطار بريشتينا يؤشر إلى إمكانية اندلاع الحرب العالمية الثالثة من كوسوفو بالقول “إن في استطاعة الناتو السيطرة على الوضع”.

ووفقا لدراسات وبيانات شهود العيان الآنفي الذكر، فإن قرار يلتسين بتعيين فلاديمير بوتين رئيسا للوزراء في أغسطس 1999، أي بعد مرور قرابة الشهرين على الحدث الكوسوفي، ومن ثم إعلانه أن بوتين سيكون “خليفته المختار” للولوج بروسيا إلى الألفية الثالثة، يندرجان في سياق رد فعل روسي غاضب على “خدعة أميركية” بدأت في يوغسلافيا أواخر القرن العشرين.