وتحولت باخموت في الوقت الراهن إلى ساحة المعركة الرئيسية في الحرب، حيث ترسل كييف وموسكو جحافل الجنود والمدفعية والدبابات في تركيز للقوة النارية بشكل غير مسبوق منذ بداية الحرب قبل 10 أشهر، حيث اعتبرها محللون “نقطة حاسمة معنويا” بالمعارك شرقي أوكرانيا، و”أي اختراق هناك سيسمح للقوات الروسية بالتقدم أكثر خلف الخطوط الأوكرانية”.
وفي محاولة لرفع الروح المعنوية، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المدينة لإظهار الدعم لقواته المشاركة في بعض من أشرس المعارك خلال الأسابيع الأخيرة، لافتا إلى “سعى الروس المتواصل منذ مايو إلى قهر مدينتنا باخموت، لكن الوقت يمر وباخموت لا تقهر الجيش الروسي فحسب، بل المرتزقة الروس أيضا”.
الموقع والمساحة
• تقع باخموت على ضفتي نهر “باخموتوكفا” شمالي مقاطعة دونيتسك في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، ويرجع تأسيسها إلى عام 1571، وتعد أقدم مركز تاريخي وثقافي في المقاطعة.
• المدينة على طريق رئيسي يؤدي إلى مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك، وهما من أكبر مدن إقليم دونباس الحوض الصناعي لأوكرانيا، الذي سيطر الانفصاليون الموالون لموسكو على أجزاء منه عام 2014، قبل أن تسيطر روسيا على أجزاء أخرى منه في الحرب الدائرة حاليا.
• تقع قرب الطريق الدولي “إم 03″ الذي يصلها مباشرة بمدينة سلافيانسك في لوغانسك، ويشق طريقه نحو منطقة خاركيف.
• تبلغ مساحة مدينة باخموت 41 كيلومترا مربعا وعدد سكانها 71 ألفا حسب إحصاء عام 2021، وبسبب الحرب فر 90 بالمئة منهم وفقا مسؤولين أوكرانيين.
أهمية استراتيجية
في أبريل 2014، سيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على باخموت وأعلنوها جزءا من “جمهورية دونيتسك الشعبية”، إلا أن القوات الأوكرانية استعادتها في يوليو من العام نفسه.
وفي صيف 2022، باتت المدينة في قلب العمليات العسكرية التي شنتها روسيا في دونيتسك، وتعرضت على مدى أشهر لمحاولات اقتحام عديدة أحبطتها القوات الأوكرانية.
وتعززت أهمية باخموت بالنسبة لروسيا عقب خسارتها لمدينة إزيوم جنوبي منطقة خاركيف الشمالية منتصف سبتمبر، حيث باتت بوابة جنوبية شرقية شبه وحيدة لتقدم قواتها في عمق مقاطعة دونيتسك، خاصة نحو المدن الرئيسية الخاضعة للسيطرة الأوكرانية.
وفي المقابل، تعد باخموت بالنسبة للأوكرانيين حصنا منيعا للدفاع عن باقي مدن دونيتسك، ومنها يتم توجيه ضربات نحو مواقع القوات الروسية في الأجزاء الخاضعة لسيطرتها، بما فيها مدينة دونيتسك عاصمة المقاطعة.
وبالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لموقعها الجغرافي في ظل حرب روسيا على أوكرانيا، تعد باخموت مركزا صناعيا مهما، وأحد أكبر مراكز صناعة الآلات الثقيلة في أوكرانيا، كما أنها تشكل عقدة مواصلات مهمة، حيث يمر بها خط سكك حديدية يربط جنوب وشرق حوض دونيتسك بالغرب والشمال.
وتعتمد باخموت بشكل رئيسي على استخراج الملح الصخري، وتسهم بـ30 بالمئة من إنتاج أوكرانيا من هذه المادة التي تقع مناجمها في سوليدار على بعد 10 كيلومترات شمال شرق المدينة.
وفي باخموت العديد من المصانع لمعالجة المواد غير الحديدية ومؤسسات صناعية أخرى، وتوجد فيها واحدة من أكبر الشركات المنتجة للنبيذ بالطرق التقليدية في شرق أوروبا.
وإلى جانب كونها قلعة صناعية، يمارس سكانها أنشطة زراعية أيضا، حيث تنتشر حول باخموت حقول الحبوب ودوار الشمس وغيرها.
أما عن الأوضاع الميدانية في ظل الحرب، فيقول الأكاديمي والمحلل السياسي آرثر ليديكبرك لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “القوات الروسية وعلى رأسها القائد الجديد للعملية العسكرية سيرغي سوروفكين، تبحث عن نصر معنوي بعد سلسلة المكاسب الأوكرانية الميدانية، خاصة في خيرسون، حيث إن الدافع من الانسحاب كان من أجل تركيز الهجوم على المدينة الصغيرة”.
ويضيف ليديكبرك: “يضع القائد الجديد رهانات واسعة على باخموت في عودة الانتصارات كدافع معنوي كبير للجنود”، موضحا أن “ما يساهم في صمود الأوكرانيين استمرار سيطرتهم على 3 طرق إمداد رئيسية تؤدي للمدينة، حيث تتدفق منها القوات والعتاد والتحصينات والمواد الغذائية إلى الخطوط الأمامية”.
ويرى المحلل السياسي أن “القوات الروسية تحاول السيطرة على المدينة من أجل فتح ثغرات للاختراق نحو مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك”، حيث إن “زيادة حدة المواجهات مؤخرا يعود إلى مشاركة عناصر فاغنر التي تسعى لتثبيت مكانتها كأفضل قوة قتالية وكسب ثقة الكرملين”، وفقا لليديكبرك.