وشملت هذه الظواهر فيضانات مدمرة في غرب وشرق القارة، وموجة جفاف مرعبة في منطقة القرن الإفريقي، وتحولا في معدلات وفصول سقوط الأمطار، وتغيرا مخيفا في خارطة الأمراض البيئية، إضافة إلى انحسار ملحوظ في مصادر مياه الشرب.
فما التداعيات والآثار الواقعة والمستقبلية لها؟ وما مدى قدرة القارة على مواجهتها؟
بسبب الآثار الكارثية التي خلفتها الظواهر الخمس، بات نحو 300 مليون إفريقي يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض وفقدان الموارد الاقتصادية المحلية كالزراعة والثروة الحيوانية، كما أن موجة الجفاف الأخيرة تهدد سياحة السفاري في دول مثل كينيا، حيث تسجل التقارير نفوق أعداد كبيرة من الحيوانات البرية.
ومما يزيد من مخاطر التغير المناخي، النمو السريع في عدد سكان قارة إفريقيا الذي تخطى المليار نسمة، بحسب تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في أكتوبر الماضي.
ويشير المختص في الشئون الحضرية في نيجيريا أبيولا دورودولا، إلى أن تأثير التغير المناخي على بلاده التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 215 مليون نسمة تجسد في الفيضانات التي اجتاحت مناطق واسعة من جنوب نيجيريا، وأدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص وتدمير مساكن وبنيات تحتية تقدر قيمتها بملايين الدولارات.
كما اجتاحت رياح غير معتادة شمالي نيجيريا، وأحدثت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وتسببت التداعيات الخطيرة الناجمة عن ظواهر التغير المناخي في ضغط سكاني كبير على المدن الكبيرة.
ملامح الأزمة
● تعيش معظم بلدان شرق إفريقيا أكبر موجة جفاف منذ عام 1980، حيث تشهد بلدان مثل الصومال وإثيوبيا وكينيا والسودان حالات جفاف مقلقة للغاية وصلت إلى 90 بالمئة من مساحة الصومال، حسب تقرير حديث لمنظمة “أوكسفام”، وأدت إلى تدمير مساحات زراعية واسعة وتزايد مشكلة انعدام الأمن الغذائي ونقص حاد في مياه الشرب، مما رفع معدلات النزوح والهجرة بشكل غير مسبوق.
● على طول الساحل الغربي لإفريقيا، شهدت دول عدة رياح عاتية خلال عام 2022، يرى الخبراء أن السبب الرئيسي فيها هو التجريف المستمر للغابات والقطع الجائر للأشجار، بغرض الزراعة أو بيع الأخشاب أو حرقها للحصول على الفحم.
● تتجسد الأزمة في بلدان مثل مالي والنيجر وموريتانيا بوضوح في اتساع رقعة التصحر، التي جعلت الحياة مستحيلة في مئات القرى بتلك البلدان.
ويبدو الوضع أكثر إيلاما في شرق القارة ومنطقة القرن الإفريقي، حيث تعيش معظم بلدان المنطقة موجات جفاف كبيرة.
ولا تقتصر التأثيرات على البلدان الإفريقية فقط، بل تتعداها لتلحق بالأمن والسلم الدوليين، فنتيجة لتداعيات التغير المناخي تزايدت حدة الصراعات الأهلية في العديد من البلدان، وارتفعت معدلات الهجرة غير الشرعية لسكان القارة الإفريقية بأكثر من 20 بالمئة في 2022، مقارنة بعام 2021.
ماذا يقول الخبراء؟
يؤكد أحمد التجانى سيد أحمد الذي عمل لسنوات طويلة في مجال التغيرات المناخية في الأمم المتحدة، أنه ليست هناك منطقة في قارة إفريقيا لم تتعرض لظاهرة من ظواهر التغير المناخي، حيث أصيبت دول القرن الإفريقي وغرب إفريقيا والمناطق الأخرى بموجات جفاف وفيضانات متتالية خلال 2022.
ويقول سيد أحمد لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن استجابة الدول الإفريقية لظواهر التغير المناخي كانت متفاوتة، حيث “تختلف قدراتها باختلاف الحكومات والأنظمة، فالبلدان المستقرة مثل رواندا وكينيا وأوغندا والسنغال وغانا خصصت موازنات وبرامج لمجابهة التغير المناخي، لكن تطبيق تلك البرامج لم يكن كافيا في معظم الأحوال، أما بلدان كالسودان والصومال ودول الساحل الإفريقي فلم يكن لها برامج وميزانيات محددة”.
ويضيف: “دول إفريقيا عموما تفتقر إلى سياسات قطاعية وتنموية، إذ يندر أن تجد قطاعا زراعيا وبيئيا موحدا لمجابهة التغير المناخي ومعالجة مشكلة انحسار المياه”.
واعتبر سيد أحمد أن غياب التوازن الإداري والبرامجي الإقليمي داخل الدول الإفريقية يشكل معضلة خطيرة أيضا، حيث “تهمل الحكومات مؤسسات الزراعة وحماية البيئة في الأقاليم النائية وغيرها من المؤسسات التي تتعرض تحديات التغير المناخي”.
ويشدد المتحدث على أن مواجهة تحديات التغير المناخي تتطلب من البلدان الإفريقية وصع برامج وسياسات منسقة ودساتير حامية، ومشاركة شعبية تساعد في الاستفادة من الوسائل التقليدية لمقاومة التغير المناخي في إدارة الزراعة والرعي وصيانة الغابات.