نذر الحرب
حشد عسكري روسي واسع ترافق مع اعتراف موسكو بما اعتبرته “استقلال” دونيتسك ولوغانسك (شرق أوكرانيا) في 21 فبراير، ودخول القوات الروسية منطقة دونباس. ثم أعلن الرئيس فلاديمير بوتين، عن إجراء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير.
توالت بعدها محطّات الحرب التي وضعت العالم على بعد خطوة واحدة غير محسوبة من “الإبادة النووية” طبقاً لتعبير الأمين العام للأمم المتحدة.
- فبراير.. روسيا تبدأ عمليتها العسكرية في أوكرانيا
بعد أشهر من حبس الأنفاس وتوقعات مختلفة بشأن تدخل روسي محتمل لأوكرانيا، جاء تاريخ 24 فبراير حاسماً، عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بدء “العملية العسكرية” الروسية في أوكرانيا. وقال إنه يستهدف “نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية منها”.
تمكنت القوات الروسية في بداية الاجتياح من السيطرة على نطاقات واسعة من منطقة خيرسون الاستراتيجية (الواقعة جنوب أوكرانيا).
بدأ الجيش الروسي منذ 26 فبراير توسيع نطاقات هجماته في أوكرانيا “على الاتجاهات كافة” بعد صدور أوامر عليا.. في اليوم نفسه أعلن الاتحاد الأوروبي – في خطوة غير مسبوقة آنذاك – عن الشروع في شراء أسلحة لتسليمها لأوكرانيا.
كما بدأ في فرض عقوبات على موسكو تصاعدت حدتها حتى نهاية العام بحزم متتالية من العقوبات.
وقبيل نهاية شهر فبراير، وتحديداً في يوم 28، دخلت روسيا وأوكرانيا في مفاوضات، وضع كل من الطرفين خلالها اشتراطاته، وحددا سلسلة الأولويات، لكنها تعثرت فيها بعد ولم تصل حد التهدئة أو تجميد الصراع.
- مارس.. القوات الروسية تواصل التقدم وتسيطر على خاركيف
ومع مطلع شهر مارس، واصلت القوات الروسية التقدم، وتمكنت من السيطرة على أول مدينة أوكرانية كبيرة، وهي خاركيف (شمال البلاد)، بينما أعلنت الولايات المتحدة في الثامن من الشهر نفسه عن فرض حظر على الغاز والنفط الروسيين، في إطار سلسلة تتابع حلقاتها لاحقاً على مدار العام من العقوبات الغربية والأمريكية.
على الجانب الآخر، كانت أوكرانيا تسعى إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي بشكل سريع بعد بدء العملية العسكرية، لكن في العاشر من الشهر ذاته، تبددت أحلام كييف في الانضمام، بعد رفض الدول الأعضاء طلب الرئيس الأوكراني بانضمام سريع لبلاده رداً على العملية العسكرية في روسيا. فيما أقر الاتحاد مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا.
وفي خطٍ متوازٍ مع هذا الدعم، أقر حلف الناتو في الرابع والعشرين من الشهر نفسه تسليح أوكرانيا للتصدي لتهديدات بهجمات كيميائية أو نووية.
- أبريل.. وقائع “مقاومة” مصنع آزوفستال للصلب
محطة بارزة من محطات الحرب شهدها شهر أبريل، عندما أعلنت السلطات الأوكرانية استعادة السيطرة على منطقة كييف، وذلك بعد انسحاب القوات الروسية (التي قامت بعملية إعادة تمركز باتجاهي الشرق والجنوب نهاية مارس).
وفي الثامن من الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا عن توجيهها ضربة صاروخية على موسكفا (سفية حربية روسية في البحر الأسود) أدت لغرقها.
بينما كان الروس يواصلون محاولات السيطرة على منطقة ماريوبول (جنوب شرقي أوكرانيا) لما تتمتع به من أهمية استراتيجية. وفي 21 أبريل، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين يعلن السيطرة النسبية على المدينة، في وقت كان ما يزال ما يصل لألفي جندي أوكراني آنذاك يتصدون من داخل مصنع آزوفستال للصلب، رفقة قرابة ألف مدني، رابطوا حتى منتصف مايو.
في الوقت نفسه، صدرت تقارير غربية تزعم “استخدام موسكو أسلحة كيمياوية في ماريوبول”.
ومع التطورات الميدانية المتسارعة، أقرت كييف في 27 أبريل بحقيقة تقدم القوات الروسية في الشرق وسيطرتها على مدن عديدة في كل من خاركيف ودونباس.
- مايو.. انتصار استراتيجي روسي (السيطرة على ماريوبول)
تمكنت روسيا في شهر مايو من تحقيق “انتصار استراتيجي” بالسيطرة على ماريوبول لما تتمتع به المدينة من أهمية اقتصادية (لا سيما في صناعة التعدين) وعسكرية، وذلك بعد السيطرة على مصنع آزوفستال.
بعد السيطرة على المدينة، بقيت على الجانب الآخر في الشرق مدينتا سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك كآخر جيب للقوات الأوكرانية في لوهانسك آنذاك.
وفي 28 مايو، تمكنت القوات الموالية لروسيا من السيطرة على مدينة ليمان (التي تشكل مركزاً مهماً للسكك الحديدية في منطقة دونيتسك).
وشهد الشهر نفسه تواصل حلقات الدعم الغربي لأوكرانيا، عندما تعهدت مجموعة السبع بتقديم 19.8 مليار دولار، كما وافق الكونغرس الأميركي -في 19 مايو- على تقديم 40 مليار دولار دعماً لجهود الحرب في أوكرانيا.
وفي 30 مايو أقر الاتحاد الأوروبي اتفاقاً للسماح بخفض وارداته من النفط الروسي بنسبة 90 بالمئة بحلول نهاية العام.
- يونيو.. 200 قتيل أوكراني يومياً وروسيا تسيطر على 20% من الأراضي
وفي سياق تواصل الدعم الأميركي، تعهدت الولايات المتحدة، مطلع شهر يونيو، بإرسال أنظمة صاروخية إلى أوكرانيا، بينما هدد الرئيس الروسي على إثر ذلك بضرب أهداف جديدة إذا أمدت أميركا كييف بصواريخ بعيدة المدى.
وقدر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، حينها نسبة سيطرة الروس بالأراضي الأوكرانية بنحو 20 بالمئة. في الوقت الذي نقلت فيه تقارير عن مسؤول روسي قوله إن ما بين 100 إلى 200 جندي أوكراني يقتلون يومياً في المعارك.
تزامنت تلك التقديرات مع تكثيف القوات الروسية قصفها المدفعي في دونباس، واحتدام القتال في “سيفرودونيتسك”، قبل أن يعلن حاكم لوهانسك في 21 يونيو عن أن القوات الروسية سيطرت على مدينة سيفيرودونتسك الاستراتيجية.
فيما انتهى شهر يونيو بتطور دراماتيكي بانسحاب القوات الروسية من “جزيرة الثعبان”، بعد أن بررت موقفها آنذاك بكونه “بادرة حسن نية”.
- يوليو.. انفراجة في تصدير الحبوب
وفي الثالث من يوليو وبعد إحكام السيطرة على سيفيرودونتسك وليسيتشانسك، أعلنت القوات الروسية السيطرة على منطقة لوغانسك، فيما تتبقى أمامها منطقة دونيتسك لإحكام قبضتها على منطقة دونباس كاملة آنذاك.
وأمام هذا التقدم الروسي، أعلن وزير الدفاع الأوكراني في 11 يوليو عن مساعي بلاده لتشكيل جيش من مليون جندي بأسلحة مقدمة من الناتو؛ لاسترداد جنوب البلاد من القوات الروسية.
كما أعلن الرئيس الأوكراني لاحقاً في 24 يوليو اتجاه قوات بلاده نحو خيرسون الواقعة تحت سيطرة الروس.
على الجانب الآخر، شهد الشهر نفسه تطوراً مهماً في سياق معالجة تبعات الحرب على الأمن الغذائي حول العالم، وذلك بتوقيع اتفاق في إسطنبول للسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
بينما على الجانب الآخر، وفي 25 يوليو، أعلنت غازبروم الروسية مزيداً من خفض إمدادات نورد ستريم 1 إلى الاتحاد الأوروبي.
- أغسطس.. شبح “الكارثة النووية”
ومع تلك التطورات، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، واحدا من أشهر تحذيراته خلال العام، عندما قال إن “العالم على بعد خطوة واحدة غير محسوبة من “الإبادة النووية” مع احتدام المعارك في أوكرانيا.
جاء ذلك في وقت تبادلت فيه روسيا وأكرانيا الاتهامات بخصوص قصف استهدف محطة زابوريجيا النووية (جنوبي أوكرانيا) في الخامس من أغسطس، وسط تحذيرات من “كارثة نووية محتملة”.
وفي 11 أغسطس، هزت سلسلة من الانفجارات قاعدة ساكي الواقعة في غرب شبه جزيرة القرم، تلا ذلك في 20 أغسطس هجوم بطائرة مسيرة استهدف أسطول البحر الأسود الروسي في شبه الجزيرة.
استطاعت أوكرانيا بعد ذلك إحراز تقدم في بعض المناطق التي تسيطر عليها روسيا، في وقت أقرت فيه الولايات المتحدة حزمة مساعدات جديدة لكييف بقيمة 775 مليون دولار، كما تعهد الرئيس بايدن بمساعدات عسكرية لكييف بنحو 3 مليارات دولار.
عملت روسيا على تقوية موقفها ميدانياً، وهو ما ظهر من خلال أوامر أصدرها الرئيس الروسي بزيادة أعداد القوات الروسية بنسبة 10 بالمئة، فضلاً عن الإعلان في نهاية أغسطس عن توقف إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب غازبروم1 قائلة إنه بحاجة إلى إصلاحات، ما أدى لتسجيل أسعار الغاز لاحقاً ارتفاعاً قياسياً في أوروبا.
- سبتمبر.. تقدم أوكراني وروسيا تضم 4 مناطق في استفتاء شعبي
تطورات درامية للأحداث الميدانية شهدها شهر سبتمبر، عندما تمكنت القوات الأوكرانية من تحقيق تقدم على أكثر من جبهة، بينما أعلنت روسيا استفتاء لضم أربع مناطق أوكرانية إليها في 29 سبتمبر.
في 11 سبتمبر، أعلنت كييف عن مكاسب عسكرية كبيرة بعد هجوم سريع على القوات الروسية شرقي البلاد، أدى لانسحاب روسي من بلدات رئيسية. كما أعلن الجيش الأوكراني عن أنه اكتشف “مئات الجثث في مقبرة جماعية” في مدينة إيزيوم التي سيطر عليها من القوات الروسية.
ومع تلك التقدمات الأوكرانية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 21 سبتمبر، التعبئة العسكرية الجزئية وسط استنكار غربي للقرار.
- أكتوبر.. القوات الأوكرانية تواصل التقدم جنوباً
واصلت القوات الأوكرانية التقدم جنوباً في شهر أكتوبر، وهو الشهر الذي شهد انسحاب القوات الروسية من مدينة ليمان (التي سبق وسيطرت عليها في شهر مايو الماضي). بينما كان القصف الروسي يتواصل مستهدفاً مدناً أوكرانية بعد تفجير جسر القرم.
ومع تقدم القوات الأوكرانية، بدأت روسيا في 13 أكتوبر في إجلاء المدنيين من خيرسون، وهي العملية التي أتمتها موسكو في 28 أكتوبر استعداداً لمعركة خيرسون.
- نوفمبر.. انسحاب روسي من خيرسون
وضمن جهود التعبئة وزيادة القدرات العسكرية، أعلنت روسيا في الخامس من نوفمبر عن السماح باستدعاء جنود الاحتياط ليشمل المدانين بجرائم خطيرة الذين غادروا السجن مؤخراً.
ميدانياً، وفي التاسع من الشهر نفسه، تلقى الجيش الروسي أوامر بالانسحاب من مدينة خيرسون، وهو ما اعتبره الرئيس الأوكراني “بداية النهاية للحرب”.
26 نوفمبر: الاستخبارات البريطانية تشير لمعلومات حول استخدام صواريخ كروز منزوعة الرؤوس النووية في أوكرانيا.
- ديسمبر.. تحذيرات من “هجوم بري محتمل” مطلع 2023
ورغم التفاؤل الذي دب بصفوف القوات الأوكرانية، حذرت الحكومة في كييف في 16 ديسمبر، من أن روسيا تخطط لهجوم بري واسع النطاق مطلع العام المقبل 2023.
واتهم الجيش الأوكراني في مطلع الشهر نفسه روسيا باستخدام صواريخ ذات قدرة نووية برؤوس حربية غير متفجرة، من أجل استنزاف قدرات الدفاعات الجوية الأوكرانية.
لكن على الجهة الأخرى، وفي السابع من ديسمبر قال الرئيس بوتين إن خطر الحرب النووية يتصاعد، لكنه أشار إلى أن بلاده لن تكون البادئة في استخدام أسلحتها النووية
سلسلة من الحروب في حرب واحدة.. متى تنتهي؟
وفيما يحبس العالم أنفاسه انتظاراً لمآلات الحرب القائمة في شرق أوروبا، فإن سيناريوهات توسع نطاقات الحرب وأمدها ما يزال مطروحاً وبقوة في ضوء التطورات على الأرض.
وتبرز سيناريوهات أخرى متفاوتة الخطورة، من بينها سيناريو استمرار الحرب حتى العام 2030، الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان.
وتثار هذه الاحتمالات في ظل عدم وجود بوادر لإنهاء تلك الحرب أو الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد حل سياسي سلمي يُنهي واحدة من أخطر الأزمات التي تعبر في مضمونها عن “سلسلة من الحروب في حرب واحدة” تقود إلى حرب عالمية ثالثة.