حركات احتجاجية في شكل جديد تزيد من حدة التوتر في فرنسا

6


يبدو أن بداية عام 2023 لم تخالف توقعات المحللين، إذ في سياق اقتصادي واجتماعي صعب، على الحكومة أن تتعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات التي تشنها النقابات في مختلف المجالات.

ولعل أبرز تعبئة خلال شهر يناير الجاري، تهم قانون التقاعد خصوصا بعد أن توحدت النقابات الثمانية إلى جانب أحزاب اليسار في فرنسا المختلفة بمجرد إعلان رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن عن الصيغة النهائية لقانون إصلاح نظام التقاعد، مساء الثلاثاء، 10 يناير وأعلنت عن مظاهرات تنطلق في 19 يناير احتجاجا على خطة الحكومة لرفع سن التقاعد القانوني من 62 إلى 64 عاما بحلول عام 2030.

قانون التقاعد سيد الاحتجاجات

 ويفسر مدير المعهد العالي للعمل والمختص في الشأن النقابي الفرنسي، برنارد فيفييه في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” بأن “النقابات تشتكي من عدم إشراكها بالشكل الكافي أثناء صياغة قانون إصلاح نظام التقاعد، لهذا ترفض ما جاء فيه وتخرج للاحتجاج“.

ويستطرد، “لكن إذا لم يتغير شيء، فسيواجه النظام عجزًا كبيرًا في السنوات القادمة. ما يقرب من 20 مليارًا في عشر سنوات. وطلك لأن نظامنا سخي بالمقارنة مع باقي دول العالم لكنه مكلف في المقابل. إذ يشكل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية“.

ويتابع، “كما أنه يعتمد على التضامن بين الأجيال، أي أن الساكنة النشيطة لعام 2023 مثلا، يدفعون مساهمات للمتقاعدين في نفس العام. وبالتالي هناك علاقة بين عدد الساكنة النشيطة والمتقاعدين“.

وبلغة الأرقام، في عام 1960، كانت فرنسا تتوفر على أربعة مواطنين نشيطين للمتقاعد الواحد. اليوم، يوجد 1.7 فقط لكل متقاعد. ومستقبلا لن يكون عدد النشطين كافيا لتمويل صندوق التقاعد.

لهذا يبقى أمام الحكومة ثلاثة حلول بحسب قول مدير المعهد العالي للعمل. “الأول يتمثل في رفع قيمة مساهمات الساكنة النشيطة وهذا غير ممكن لأنه يعني قدرة شرائية أقل ومصاريف أكبر بالنسبة للمؤسسات المشغلة. والثاني، يهم تخفيض رواتب المتقاعدين وهذا لن يكون عادلا لأن الرواتب ليست عالية. وبالتالي، يبقى الحل الثالث، هو رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، مما يعني سنتين أكثر من المساهمة في صندوق التقاعد واقتصادا بالنسبة للحكومة“.

وللتخفيف من حدة الرفض والاحتجاجات، آثرت الدولة التصويت على القانون في الجمعية العامة بدل اللجوء إلى قانون49.3 وتمريره دون تصويت. حتى لا يعتبر فعلا ديكتاتوريا ويثير المزيد من التوتر.

قطاع الصحة ينتفض

وقبل الاحتجاج على نظام المعاشات التقاعدية، بدأت المستشفيات بالفعل إضرابها، فقد دعا “اتحاد الخدمات العامة بالمستشفيات” إلى “إضراب غير محدود” اعتبارًا من يوم الثلاثاء 10 يناير.

ويدين الاتحاد في بلاغه “الوضع المتردي للغاية” لقطاع الصحة و”ظروف العمل غير المقبولة” و”تعريض عدد من المرضى والعاملين في المستشفى للخطر” و”تقاعس” الحكومة.

ويقترح في المقابل، كحل لـ “خدمات الطوارئ المكتظة” و”النقص في صفوف للأطباء” إلى “توظيف ما لا يقل عن 200.000 موظف في المجالات الصحية والاجتماعية والطبية- القطاعات الاجتماعية “.

ومنذ يوم الاثنين 9 يناير 2023، دخلت بدورها مختبرات البيولوجيا الطبية في إضراب بسبب تخفيض ميزانيتهم المدرجة في قانون تمويل الضمان الاجتماعي.

كما تظاهر أطباء القطاع الخاص بفرنسا في شوارع العاصمة باريس في الخامس يناير بدعوة من مجموعة “أطباء من أجل للغد” وذلك لمطالبة الحكومة باتخاذ تدابير جادة تجاه مطالبهم. وأبرزها مضاعفة رسوم الاستشارة الأساسية من 25 إلى 50 يورو.

المعلم يقول كلمته

ولا تزال نقابة المعلمين  بدورها تحافظ على الدعوة إلى إضراب 17 يناير حول الأجور وظروف العمل والمسار المهني ، بالإضافة إلى إضراب 19 يناير ضد إصلاح نظام التقاعد.

شلل في وسائل النقل

إضراب آخر تنظمه الكونفدرالية العامة للشغل، يهم عمال شركة النقل العام الفرنسية، يبدأ مساء الخميس 12 يناير ويستمر حتى صباح السبت. وتطالب من خلاله المنظمة النقابية بزيادة قدرها 300 يورو على الرواتب الحالية.

شكل جديد للاحتجاج

ومن أبرز ما ميز هذه الإضرابات الأخيرة، أن بعضها أصبح ينظم دون المرور من النقابات وبالاعتماد على مجموعات تم إنشاؤها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقا للمؤرخ الاجتماعي والخبير في التعبئة الاجتماعية، ستيفان سيروت، “استوحت هذه الحركات الفكرة من “أصحاب السترات الصفراء” الذين نظموا مسيرات حاشدة في نونبر 2018 بعد أن انطلقت شرارتها من مواقع التواصل الاجتماعي. فأصبحت الفكرة مدرسة لآخرين، ونظموا بدورهم وقفات احتجاجية دون الاعتماد على النقابات أو السياسيين“.

صوت مسموع 

ورغم أنها خرجت من رحم مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها تحقق أهداف المنضوين تحت لوائها. كما حصل مع إضراب في أواخر شهر ديسمبر الماضي، قادته “جماعة مراقبين لسكك الحديد” التي أنشئت عبر “فيسبوك”. انتهى بمجرد حصول المجموعة على مطالبها الاجتماعية بعد أن أفسحت المجال للنقابات للتفاوض. 

من جانبهم علق علماء الأحياء الطبية إضرابهم بعد التوصل إلى اتفاق الثلاثاء، 10 يناير مع التأمين الصحي، وفتحت المختبرات الطبية المغلقة أبوابها من جديد يوم الأربعاء. 

وعقب نجاح هذا المجموعات في إيصال صوتها إلى المسؤولين، أطلقت مجموعة “بقاء المخابز والحرف اليدوية” على فيسبوك دعوة للتظاهر ضد غلاء الأسعار في 23 يناير المقبل. 

وترجع أسباب نجاح مجموعات فيسبوك بحسب الخبير في التعبئة الاجتماعية إلى “أنها حركات جديدة تصنع الحدث ويسلط عليها الضوء إعلاميا، ما يسهل عليهم الوصول إلى مطالبهم في ظل ابتعاد بعض الموظفين والعاملين الشباب عن المنظمات النقابية“. 

ويعتبر في المقابل، أن المجموعات والنقابات تخوض في الواقع معركة تكميلية. وذلك لأن النقابات هي التي تقدم الإشعار بالإضراب، ثم تتكلف من قبل المجموعة غير الرسمية بالتفاوض على طريقة للخروج من الأزمة. وعلى نفس المنوال، حظيت مظاهرة يوم الخميس الجماعية التي نظمتها مجموعة “أطباء من أجل الغد” بدعم العديد من النقابات المهنية“. 

فيما يرى مدير المعهد العالي للعمل أن هذه المظاهرات التي تمر عبر مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي تضر بالحكومة والنقابات على حد سواء. فالحكومة مطالبة بتلبية المطالب والنقابات تم تهميشها ولم يعد لديها القدرة على احتواء هذا الاستياء الاجتماعي“.