الهجرة غير الشرعية.. مساع إيطالية تونسية مشتركة لمقاومتها

5


وفي سياق ذلك جرى منذ أيام اتفاق بين الحكومتين الإيطالية والتونسية قد يشكل منعرجا إيجابيا في ملف الهجرة السرية بين ضفتي المتوسط حيث أبدت إيطاليا استعدادها لزيادة عدد المهاجرين القانونيين من تونس، مقابل دعوتها إلى بذل مزيد من الجهود لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية.

ويشار إلى أن تدفقات الهجرة غير القانونية تزايدت بشكل واضح في أواخر عام 2022 وبداية العام الجاري وقد كشفت بيانات وزارة الداخلية، عن وصول أكثر من 20 ألف مهاجر، خلال نوفمبر وحتى ديسمبر من العام الماضي، مقارنة بنحو 13 ألفا خلال الفترة نفسها من عام 2021.

أما خلال الأيام العشرة الأولى من عام 2023، فقد سجلت إيطاليا وصول نحو 3800 مهاجرا غير نظامي، مقارنة بأقل من 400 مهاجر فقط في نفس الفترة من العام 2022.

وتحذر منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الهجرة من تفشي ظاهرة الهجرة السرية على متن قوارب بحرية من سواحل تونس نحو جزيرة لامبيدوزا الإيطالية بشكل غير مسبوق، ولجوء عشرات الآلاف من الحالمين بجنة أوروبا في الأعوام الخمس الأخيرة نحو الإبحار خلسة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وقد انتهى عدد كبير من رحلاتهم بالغرق والهلاك في عرض البحر.

معادلة صعبة للتصدي لقوارب الهجرة

وأكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، في تصريحات أعقبت زيارته الى تونس أن بلاده ماضية في التعاون “لتقليص تيارات الهجرة غير القانونية وتعزيز الهجرة القانونية”، ومستعدة لزيادة عدد المهاجرين القانونيين من تونس، لكن ذلك يظل مشروطا بضرورة بذل جهود أكبر في ملف التصدي لظاهرة الهجرة السرية.

ووعدت إيطاليا أنها ستعمل، من جهتها، على زيادة عدد المهاجرين القانونيين القادرين على القدوم للعمل في مجالي الزراعة والصناعة وذلك عبر توقيع اتفاقيات للحصول على عمال قانونيين، شباب تونسيون وأفارقة، يمكنهم الاندماج وتقليص عدد المهاجرين بطريقة سرية ممن يأتون للعمل بشكل غير قانوني، ويتقاضون أجورا زهيدة.

شروط مجحفة ومقايضة أوروبية

وعلق الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر قائلا:

  • الاتفاق الذي يتحدث عنه الجانب الإيطالي ليس حديثا، ذلك أن تونس تملك منذ سنة 2011 الحق في تصدير اليد العاملة أو الكفاءات بطريقة قانونية للعمل في إيطاليا وفق عدد يتم تحديده مسبقا بين البلدين وبالتالي فإن العودة للحديث عن هذه الاتفاقيات قد يكون محاولة من الجانب الأوروبي لدفع تونس نحو وقف تيار الهجرة غير النظامية”.
  • من الواضح أن هناك مسعى إيطاليا لمزيد الضغط على حكومة قيس سعيد لتقليص أعداد المهاجرين نحو السواحل الإيطالية، هناك أكثر من 77 ألف عقد عمل توفرها إيطاليا سنويا للمهاجرين الأجانب من بينها نسبة مخصصة لتونس، لكن إعادة فتح الملف لا يعدو أن يكون بمثابة دعاية للحد من عدد المهاجرين غير النظاميين.
  • المنتدى التونسي لم يلاحظ أية معاملة متكافئة في مجال الهجرة نحو إيطاليا، لا بد أن تكون المعاملة بالمثل، فعلى منوال ما تستفيد به إيطاليا من نقل للبضائع و من عبور السفن عبر تونس ومن حماية سواحلها ومن تمتع الإيطاليين بالتنقل إلى تونس لابد أن يكون للتونسيين أيضا نفس الامتيازات.

وبدوره قال المختص في علم الاجتماع فؤاد غربالي:

  • التعهدات التي قدمتها إيطاليا لتوسيع مجال الهجرة القانونية واستقبال مزيد من المهاجرين التونسيين الشرعيين قد تبدو للوهلة الأولى اتفاقيات إيجابية لكنها لا تخلو من ضغوط يمارسها الاتحاد الأوروبي لفرض مزيد من المشاريع التي تعود فيها المصلحة بالأساس إليه.
  • من الضروري أولا أن نعرف تفاصيل وبنود هذا الاتفاق ومختلف مرتكزاته، فالحديث عن زيادة عدد المهاجرين القانونيين يقتضي تحديد مجالات تكوينهم المهني ثم طريقة استقبالهم وتوزيعهم على مجالات العمل في إيطاليا.
  • الاتفاقية لا تزال قيد الغموض، وهناك شكوك بخصوص عدم تكافؤها بين الجانبين، فالاتفاقيات بين تونس والاتحاد الأوروبي كانت دوما تخفي نوعا من المقايضة.
  • الحديث عن جدوى هذا الاتفاق ومدى عودته بالفائدة على اليد العاملة في تونس من أجل تقليص معدلات البطالة لن يكون ذا معنى إلا إذا تم نشر حيثياتها، فهناك مخاوف من أن تكون حراسة السواحل الإيطالية من قبل تونس هي الهدف الأساسي لتعهدات الجانب الإيطالي.
  • قوارب الهجرة غير الشرعية لن تتوقف حتى بعد إمضاء هذه الاتفاقية وذلك في ضوء حالة الإحباط التي يعيشها التونسيين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة فضلا عن انسداد الآفاق الاقتصادية والاجتماعية وانحدار القدرة الشرائية في البلاد.

و الجدير بالذكر أن تونس شهدت خلال السنوات الأخيرة، أرقاما مرتفعة في عدد محاولات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط نحو السواحل الإيطالية، والتي صارت تضم عائلات بأكملها ونساء وفتيات ورضع وأطفال بعد أن كانت تقتصر على الشبان والرجال الذين عادة ما يحاولون الوصول إلى أوروبا هربا من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة .

كما تحولت الظاهرة إلى مجال للإتجار وذلك عبر تنظيم رحلات مدفوعة الأجر يتولى خلالها عدد من الأشخاص تنظيم الرحلة وتأمين المركب مقابل مبالغ مالية متفاوتة تصل أحيانا إلى 10 آلاف دينار (نحو 3500 دولار).