في مؤتمر صحفي على هامش القمة الأفريقية التي اختتمت أعمالها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قال ألبرت موشانغا مفوض التنمية الاقتصادية والتجارة في الاتحاد، إن الخطوة تهدف إلى مساعدة الدول الأعضاء على تحسين حوكمتها المالية من خلال رصد بيانات كافية عن أوضاعها المالية.
وتهدف الخطوة للوصول إلى نظام إنذار مبكر يساعد المؤسسات المالية الدائنة والبلدان المدينة على وضع تصورات لحلول سريعة لتفادي أي تبعات سالبة؛ إضافة إلى تسهيل الرقابة وتقديم المشورة بشأن أي ضائقة محتملة.
يأتي هذا فيما تكافح بلدان مثل نيجيريا وغانا وزامبيا لتفادي التأثيرات الاقتصادية المحتملة جراء التخلف عن السداد أو إعادة الهيكلة التي أعلنت عنها.
قفزة مخيفة
تضاعفت ديون البلدان الأفريقية 5 مرات خلال الفترة ما بين العام 2000 إلى نهاية 2022. وتتركز 66 في المئة من ديون أفريقيا الخارجية في 9 بلدان تتصدرها جنوب أفريقيا بحصة 15 في المئة، ووفقا لصندوق النقد الدولي فإن 22 دولة أفريقية تعاني بالفعل من أعباء الديون أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين.
وخلال العقدين الماضيين أفرطت البلدان الأفريقية في الإقراض دون استخدام تلك القروض في تحريك عجلة الإنتاج، الأمر الذي يشكل ضربة مزدوجة للاقتصادات الأفريقية؛ حيث تضغط أقساط خدمة الديون البالغة نحو 100 مليار دولار سنويا على ميزانيات العديد من البلدان وتستقطع أكثر من 15 في المئة من الناتج الإجمالي؛ كما فتح الإفراط في الإقراض الباب واسعا أمام زيادة معدلات الفساد وتوسيع الهوة الطبقية في العديد من البلدان الأفريقية، خصوصا تلك التي توجد فيها أنظمة حكم هشة.
ما عواقب ذلك؟
- يتوقع خبراء عواقب وخيمة يمكن أن تنجم عن التخلف المتتالي عن سداد ديون البلدان الأفريقية.
- وبدأت بعض بلدان المنطقة المتأثرة أكثر بأزمة الديون في اتخاذ إجراءات سريعة للحد من التأثيرات السالبة واستعادة ثقة المستثمرين.
- وأثارت أنباء تخلف غانا عن سداد ديونها الدولية وإعلان نيجيريا عجزها عن تسديد متأخرات تصل إلى 50 مليار دولار من إجمالي ديونها البالغة 102 مليار دولار، فزعا كبيرا في أوساط المستثمرين العالميين أعقبته تخفيضات في التصنيفات الائتمانية لبعض البلدان الأفريقية.
- تواجه البلدان الأفريقية المعتمدة بشكل كبير على الديون والتمويلات الخارجية لدعم ماليتها العامة، خطرا حقيقيا في ظل توقعات بوقف مؤسسات التمويل الدولية تغذيتها للاقتصادات الأقل قدرة على السداد.
- وفي حين لجات نيجيريا إلى معالجة الأزمة من خلال إعادة هيكلة الدين المحلي البالغ نحو 45 مليار دولار، عبر طرح سندات طويلة الأجل للمستثمرين المحليين والدوليين، تتجه جنوب افريقيا إلى تخفيض قيمة الراند ورفع عوائد السندات والودائع من أجل استعادة زخم الاستثمار الأجنبي.
وفي الجانب الآخر، شرعت غانا بالفعل في برنامج لهيكلة الديون السيادية المحلية المقدرة بنحو 25 مليار دولار رغم الجدل الكبير الذي صاحب تلك الخطوة التي وصفتها الحكومة بـ “الضرورية” لمعالجة أزمة الديون المستفحلة.
وضغ الديون
- تنقسم ديون معظم البلدان الأفريقية إلى أربع مجموعات، الأولى هي مجموعة نادي باريس وهي أكبر الدائنين، أما الثانية فهي مجموعة مؤسسات التمويل الدولية والتي تضم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فيما تضم المجموعة الثالثة عددا من البنوك التجارية. وتضم المجموعة الرابعة الديون الثنائية مع عددا من البلدان الأوروبية الآسيوية وخصوصا الصين.
وعلى الرغم من تمتع معظم بلدان القارة الأفريقية بموارد طبيعية ضخمة، إلا أن ذلك لا يخفف من ضغط الديون عاى الاقتصادات الأفريقية، وذلك لأسباب عديدة تتمثل في عدم القدرة على الاستغلال الأمثل لتلك الموارد، إضافة إلى الوضع المتردي للاقصاد العالمي وتشديد السياسات النقدية في الدول الغربية، وارتفاع تكاليف خدمة الديون والتضخم وأسعار الفائدة والزيادة الكبيرة في تكلفة المخاطر، وفقدان معظم العملات الأفريقية قيمتها مقابل العملات الرئيسية.
ويتضح ضغط خدمة الدين الخارجي على المالية العامة في البلدان ذات الاستدانة العالية مثل جنوب أفريقيا وأنغولا والسودان ونيجيريا وغانا وزامبيا.
نظرة الخبراء
- يؤكد مارك بلانت مدير التمويل والتطوير في مركز التنمية العالمي العامل مع البنك الدولي أن تكاليف خدمة الدين هي الهاجس الأكبر أمام البلدان المثقلة بالديون. ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إن ارتفاع أعباء الديون يؤدي إلى تداعيات كارثية على السكان، كما تلقي بتبعات خطيرة على الإنفاق الحكومي وتؤثر بشكل مباشر في أي ميزانية حكومية.
ويشبر بلانت إلى أن الحكومات المدينة تواجه أحد خيارين للوفاء بالتزاماتها، يتمثل الأول في زيادة الضرائب لتغطية خدمة الدين المتزايدة أو خفض بعض الإنفاق المخطط له.
ويحذر بلانت من خطورة الخيارين على مجمل الأداء الاقتصادي، إذ يقلل ارتفاع الضرائب من دخول الناس وإنتاجيتهم ويؤدي بالتالي إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي.
وفي الجانب الآخر، يرى بلانت أن خفض الإنفاق الحكومي سيعني خلل ونقص في الخدمات الحكومية من صحة وتعليم وخدمات اجتماعية أو تقليص الاستثمار في البنيات التحتية كالطرق والجسور وتوليد الكهرباء؛ وبالتالي ضعف الأداء الاقتصادي. بشكل عام.
وقال كيفين أوراما؛ كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الأفريقي إن ديون البلدان الأفريقية ليست كبيرة لكن العديد من بلدان إفريقيا تواجه معضلة عدم القدرة على السداد في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وأوضح “إذا نظرت إلى حجم ديون القارة فإنها أقل من حجم الديون في المناطق الأخرى من العالم، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن معظم البلدان الأفريقية لا تستطيع الانتظام في السداد وتواجه بالتالي مشكلة الوقوع في أزمة الديون المعدومة”.
يرى إريك أسيبي، أستاذ الاقتصاد في جامعة غانا، إن الارتفاع الكبير في نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي يزيد من الضغوط الاقتصادية المتفاقمة أصلا بسبب عوامل دولية أخرى.
ويوضح أسيبي أن إعادة هيكلة الديون كجزء من تدابير إعادة الاقتصاد إلى مساره هو الخيار الوحيد المتاح الآن أمام البلدان الأفريقية المثقلة بالديون مثل غانا وغيرها.
ويوضح “إعادة الهيكلة عملية مؤلمة لكنها ضرورية إذا تمت بشكل جيد”.
ويشير أسيبي إلى أن الوضع الحالي على الرغم من كونه مأساويا، إلا أنه يوفر فرصة لتغيير السلوك العام وإعادة ضبط الاقتصاد والتحول نحو التوسع في قطاعات منتجة مثل الزراعة والصناعة، ودفع البنوك نحو التركيز على الاستثمار في القطاع الحقيقي.