ووفقا لما أكدته تلك الإفادات فإن المتشددين الأربعة الذين قتل منهم ثلاثة في اشتباكات مع قوات الأمن الموريتانية كانوا على تنسيق مع مجموعة إرهابية تتبع لتنظيم داعش وتتخذ من شمال مالي مركزا لانطلاق عملياتها. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الأمن الموريتاني أوقف شخصين يحملان الجنسية المالية يعتقدُ أنهما أدخلا السيارة التي استخدمها الإرهابيون الأربعة للأراضي الموريتانية.
وتأتي هذه التطورات وسط مؤشرات كبيرة على تحول الشمال المالي إلى مركز للإرهاب والتطرف العنيف الذي تقوده جماعتي نصرة الإسلام وبوكو حرام اللتان أصبحتا مؤخرا جزءا من جماعتين إرهابيتين كبيرتين هما القاعدة وداعش بعد أن كانتا جماعتان محليتان تركزان أنشطتها داخل نيجيريا.
ويرى الشريف مايغا الضابط السابق في الجيش المالي أن الفراغ الأمني أغرى جماعة نصرة الإسلام والجماعات المتشددة الأخرى للسعي لجعل تمبكتو عاصمة لإمارتها المستقبلية نظرا لكبر مساحتها واهميتها الاستراتيجية في غرب أفريقيا. ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية أن السيطرة على تمبكتو سيمكن الجماعات الإرهابية من التحكم على المنافذ الحدودية مع الجزائرية شمالا وموريتانيا غربا إضافة إلى الحدود الشرقية مع بوركينا فاسو والنيجر.
فراغ أمني
يعزي مراقبون تزايد وجود داعش والجماعات الإرهابية الأخرى خلال الفترة الأخيرة في شمال مالي إلى تدهور الأوضاع الأمنية؛ بعد فشل الحكومة المالية في تنفيذ اتفاق السلام الموقع مع الحركات الأزوادية في الجزائر في 2015.
وأشاروا إلى الدور المهم الذي كانت تلعبه الحركات الأزوادية خلال السنوات الماضية في التصدي للجماعات الإرهابية في شمال مالي؛ حيث خاضت عدة معارك أدت إلى تقليص نفوذ حركة داعش وحركات إرهابية أخرى قبل أن تعود مجددا مستقلة تدهور الأوضاع الأمنية بسبب الفراغ الذي أحدثه عدم تنفيذ اتفاق الجزائر.
وفي هذا السياق؛ قال المحلل السياسي اكلي محمد لموقع سكاي نيوز عربية إن عدم تنفيذ اتفاق الجزائر أدى إلى زعزعة الأوضاع الأمنية وبالتالي زيادة نشاط الجماعات المتطرفة المتواجدة في المنطقة؛ مستفيدة من الفراغ الذي يتركه الجمود السياسي والاقتصادي في شمال مالي.
ارتفاع ملحوظ
زاد عدد الهجمات الإرهابية المنفذة في منطقة غرب أفريقيا بمعدل 55 في المئة خلال العام الماضي؛ وفقا لتقديرات مؤشر الإرهاب للعام 2022؛ الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي.
واتخذت الأنشطة الإرهابية في المنطقة نسقا تصاعديا ملحوظا منذ عملية فندق الراديسون بلو في باماكو في نوفمبر 2015 والتي نفذتها مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة وراح ضحيتها 27 شخصا. وارتفعت حصة المنطقة من مجمل وفيات في العالم الناجمة عن عمليات إرهابية من 1 في المئة في 2007 إلى 35 في المئة. وتصدرت بوركينا فاسو ومالي والنيجر قائمة بلدان المنطقة من حيث عدد ضحايا الإرهاب إذ سقط في البلدان الثلاثة مجتمعة نحو ألفي شخص خلال 2022.
جماعات تتمركز في شمال مالي
- بوكو حرام: تأسست في شمال نيجيريا في العام 2003؛ وتعرف نفسها بأنها جماعة من “أهل السنة للدعوة والجهاد”. وبوكو حرام هي تسمية مشتقة من لغة الهوسا المنتشرة بشكل واسع في شمال نيجيريا وعدد من بلدان غرب افريقيا؛ وتعني “التعاليم الغربية حرام“.
وبعد مقتل زعيمها ابوبكر الشكوي في 2021؛ انقسمت الجماعة مما أدى إلى ظهور فصيل معاد يتبع لتنظيم القاعدة ويُعرف باسم “القاعدة في ولاية غرب إفريقيا“.
.● جماعة الصحراوي: تشكلت في 2014 كجماعة متطرفة بزعامة عبد المجيد الصحراوي وأعلنت ولاءها لتنظيم داعش. وبدأ التنظيم نشاطه بشن عمليات انتحارية ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد في شمال مالي؛ ومن ثم وسع عملياته لتشمل عددا من المناطق في بوركينا فاسو والنيجر. وبعد دخول القوات الدولية واشتداد الضغط العسكري عليها؛ لجأت المجموعة إلى الاستعانة بمقاتلين من مجموعات متشددة اخرى مثل بوكو حرام وغيرها.
- جماعة “نصرة الإسلام”: تكونت في مالي في العام 2017 وضمت تحالفا من عدد من المتطرفين الذين ينتمون لتنظيمات وحركات مسلحة مختلفة أعلنوا تجمعهم واندماجهم في هيكل واحد؛ ومبايعتهم لأيمن الظواهري؛ زعيم تنظيم القاعدة آنذاك.
وكانت الحركات المسلحة التي شكلت أساس التنظيم مقربة من بعضها البعض من قبل اندماجها. وتقول الجماعة التي تنشط في مالي والنيجر ودول مجاورة أخرى إنها تريد ان تكون قوة مهيمنة أمام التأثير المتزايد لتنظيم داعش في المنطقة.
وجهات نظر المراقبين
- يؤكد محمد ناجي أحمدو الصحفي المتخصص في شؤون الإرهاب بغرب أفريقيا أن الفراغ الأمني الكبير الذي تعيشه منطقة شمال مالي يغري الجماعات الإرهابية لزيادة أنشطتها هنالك واتخاذ المنطقة كمركز لإطلاق عملياتها.
- وقال لموقع سكاي نيوز عربية إن ضعف الحكومة المركزية وحالة الاضطراب السياسي إضافة إلى البيئة الجغرافية المشجعة جميعها عوامل توفر حاضنة مناسبة للجماعات الإرهابية في شمال مالي. وأضاف أحمدو أن الكثير من الجماعات الإرهابية وجدت في شمال مالي متنفسا لها بعد تضييق الخناق عليها في الجزائر ونيجيريا ومناطق أخرى.
- يوضح الناشط الحقوقي والسياسي المالي حمزة ديارا أن ازدياد نشاط الجماعات الإرهابية يعود إلى الضعف الأمني في عدد من بلدان غرب أفريقيا وسهولة الحصول على الأسلحة والتجهيزات القتالية. ويقول ديارا لموقع سكاي نيوز عربية إن الفقر والتذمر حيال الأوضاع السياسية والاقتصادية يساعد تلك المجموعات على التجنيد في بعض الأحيان.