ت + ت – الحجم الطبيعي
“الكثير من الصياح والضحكات والصراخ، ثم ينزل البطل بالحبل من أعلى المسرح، فينطلق التصفيق من الجماهير الحاضرة للمسرحية”، هل شاهدت أشياء مشابهة لدخلات الممثلين على خشبة المسرح؟ يطلق على هذا الأسلوب “براعة الاستهلال”، وهو لفت الانتباه لأقصى درجة لفرش مساحة كافية للبطل لتقديم نفسه واجتذاب عقل الجماهير الحاضرة.. هذا ما يفعله دائما الرجل الحديدي الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مالك تويتر وسبيس إكس وتيسلا، فيربح الملايين من فقاقيعه الاستهلالية.
وأسلوب آخر من الأساليب المسرحية التي يتبعها ماسك، هو “كسر الإيهام” وهو أن يكون البطل مشاركا للجماهير ومتفاعلا معهم، خارجاً عن النص ليتحدث إلى جمهوره مباشرة، فيلقى الاستحسان، وهذا الأسلوب اتبعه ماسك في آخر فقاقيعه، عندما غير علامة تويتر، إلى علامة “الميم” الشهير “دودج كوين”، وهي العلامة التي تعتبر رمزاً لعملة رقمية بدأها هو نفسه منذ سنوات كمزحة وتحولت إلى عملة رقمية حقيقية، والتغيير لعلامة “دودجكوين” قال عنه ماسك إنه كان بطلب أحد المتابعين لحسابه، والذي طلب منه شراء تويتر وتغيير علامته لـ”دودج كوين”، مؤكداً أنه استجاب للطلب وفعل ذلك من أجل أن يفي بوعده، ونشر ماسك التغريدات التي تحدث عنها.
As promised pic.twitter.com/Jc1TnAqxAV
— Elon Musk (@elonmusk) April 3, 2023
حجر في ماء راكد
قد يبدو الأمر على سبيل المزاح، أو حتى وفاء للمتابع الذي طلب منه ذلك، ولكن الأمر ليس أكثر من إلقاء حجر في ماء راكدة، فـ”تويتر” يعاني من أزمة مالية كبرى، اضطرت ماسك لإنهاء خدمات العديد من الموظفين، وتقليص النفقات، وفرض أموال على راغبي علامة التعريف “العلامة الزرقاء”، ورغم أنها قرارات كلها اقتصادية، إلا أن ماسك بحسه الفكاهي أصبغها بصيغ مختلفة من المزاح أو القسوة للتعتيم على المعاناة الاقتصادية التي يعانيها موقع التواصل الاجتماعي، الذي فقد معلنيه، وبدأ يدخل في مرحلة الرتابة، لكونه يعتمد في الأساس على طبقة معينة، ويتصف بالرسمية بشكل أكبر، ومع قرارات ماسك المجنونة بدأ المعلنون في الهروب من السفينة التي رأوها غارقة لا محال.
وفي حديث له قال بيتز ستون، أحد مؤسسي موقع تويتر، إن ماسك ليس الشخص المناسب لامتلاك تويتر، مضيفاً: “قد ترضي التصرفات المجنونة 50% من الناس، ولكن ماذا عن الـ50% الباقية غير الراضية؟ تصرفات ماسك يمكن أن يفعلها في جريدته الخاصة، وليس في موقع تواصل اجتماعي يجب فيه أن يرضي جميع الأطراف”.
وكانت الخطوة الأخيرة المجنونة لإيلون ماسك بتغيير الشعار ضمن خطواته للفت الانتباه، والذي يأتي بالتأكيد قبل قرار معين سيتخذه، قد يكون مؤثراً في الموقع ومتابعيه، ليخلق حالة الزوبعة المطلوبة ويجذب الناس مجددا للتطبيق مصدراً القرارات بحضور الجميع وفي ظل تركيز الجميع لخطواته التالية، أو لصرف النظر عن أشياء أخرى في ناحية مختلفة، مثل صرف النظر عن القضايا المرفوعة ضده بصفته مالكا لشركة تيسلا والاتهامات بالعنصرية والتي ينظر فيها القضاء الأمريكي حالياً.
هي ألاعيب اقتصادية وسياسية وترويجية يجيدها ماسك بشكل كبير، وبرع فيها إلى الحد الذي جعله أحد أغنى أغنياء العالم، وإجادته لمثل هذه الأمور جعلت تغريداته ترفع أسهما في البورصة إلى السماء، وتهبط بأخرى إلى الأرض، وهو ما يستغله كثيراً للتحكم في الأسواق المالية، والتربح من وراء ذلك لتزداد ثروته وتتوسع امبراطوريته.
الإقناع
في أيام ألمانيا النازية، تحدث هتلر كثيراً عن العرق الآري، وأفضلية الألمان على الأعراق الأخرى، وزاد من صياحه وشعاراته، حتى أن الناس نسيت أو تناست كونه في الأساس ليس ألمانياً، وإنما هو من النمسا، وربما الأمر ذاته ينطبق على إيلون ماسك، الذي يردد شعارات الحلم الأمريكي، وتحول لرمز أمريكي، وقد تكون شخصية “الرجل الحديدي” في أفلام “مارفل” مستوحاة من شخصيته، وكل ذلك رغم أن إيلون ماسك ولد ونشأ وترعرع في جنوب أفريقيا، لأب جنوب أفريقي وأم كندية، ويحمل الجنسية الكندية.
وانفصل والدا ماسك في مرحلة مبكرة من العمر، ليعيش مع والده في جنوب أفريقيا، ليربيه الوالد، وينطلق إلى أمريكا لاستكمال تعليمه، وبعد أن تخرج، واستقل تماما عن الوالد، بدأ في اعتبار أبوه أحد أسوأ الشخصيات، وأنه يتمنى ألا يكون مثل أبيه مع أولاده، ليخلق قصة معاناة طفل، ويستوحي من ورائها الدراما المطلوبة لبناء شخصيته في النطاق الإعلامي، وهو بناء درامي مثلما يبني كتاب السيناريو سيكلوجية وأبعاد عناصر الأبطال النفسية.
علاقة ماسك بالتكنولوجيا بدأت منذ سن العاشرة من عمره، عندما بدأ في تعلم البرمجة وولع بها، وبعدها بسنوات قليلة أتقن لعبة البرمجة والترميز، وابتكر لعبة فيديو جيم، باعها بـ500 دولار لمجلة “بي سي مغازين”، واستمر في الأمر، حتى قرر في سن 17 عاماً أن يسافر لكندا، ويحصل على الجنسية الكندية عن أمه، قبل أن يلتحق بجماعة كينغستون أونتاريو الكندية لاستكمال دراسته، ويحصل على شهادته العليا في مجال علوم الفيزياء.
في عمر 24 عاماً، بدأ ماسك رحلته إلى أمريكا للمرة الأولى، وذلك للحصول على دكتوراه في الفيزياء من جامعة ستامفورد، ولكن في تلك الفترة كانت ثورة الإنترنت في بدايتها، ولعب الأمر في رأس ماسك، الذي قرر التوقف ، ولم يستكمل دراساته العليا، وبدأ مع أخوه برأس مال ضعيف في إنشاء برنامج “زيب تو”، وهو برنامج للصحف لتكويد المدن عبر الإنترنت (مثل رقم الصندوق البريدي)، وهو البرنامج الذي نجح في بيعه مقابل 315 مليون دولار لشركة كومباك الشهيرة (إحدى علامات إتش بي التجارية حالياً)، وهو رقم ضخم، كان بداية ماسك لموقع “إكس دوت كوم”، ومن بعدها في موقع نقل الأموال الشهير “باي بال”، والذي باعه ماسك بـ1.5 مليار دولار أمريكي، إضافة لعوائد سنوية مقال 11% من الأسهم، أي أنه ما يزال يربح من “باي بال” حتى بعد بيعه.
إيجار البيت
ومن أطرف تعليقات ماسك عن عمليات البيع وتأسيس مجموعة شركاته، حين قال: “بعد خصم الضرائب وتسديد الديون، تبقى لي من بيع “باي بال” 180 مليون دولار، أسست بـ 100 مليون شركة “سبيس إكس”، و70 مليون لـ”تيسلا”، و10 مليون أنفقتها على “سولار سيتي”، والآن ليس معي إيجار بيتي”.
وخلال مسيرته تعرض إيلون ماسك للعديد من القضايا، منها قضية الاحتيال الشهيرة التي وجهت ضد تيسلا، بسبب التغريدات التي نشرت عملية القيادة الذاتية للسيارة، وثبت فيما بعد أن الفيديوهات تم التعديل عليها لتوحي بوجود قيادة ذاتية قادرة على التحكم في السيارة لمسافات طويلة وهو غير الحقيقي وقت صدور الفيديوهات لكون برنامج القيادة الذاتية لم يكن قد اكتمل بعد، وهو ما اعتبره القضاء احتيالا.
ولم تكن تلك هي القضية الوحيدة ضد ماسك، وطوال مسيرته يجيد التلاعب بالإعلام وعلى قدر عالٍ من القدرة على استغلال المواقف والقضايا لصالحه، ولصالح كسبه الأموال ومزيد من التربح، وكان من أبرز ما قال في هذا الأمر : “أفضل أن أكون حالما وعلى خطأ، من أن أكون واقعياً وعلى صواب”، وأيضا قال: “لا أجد عيباً في أن أضع كل البيض في سلة واحدة، طالما أتحكم في السلة بشكل كامل”.