ت + ت – الحجم الطبيعي
يطلقون عليها استراتيجية «ثعبان الأناكوندا»، تلك السياسة التي تتبعها الصين لتضييق الخناق لاستعادة تايوان باعتبارها جزء من أراضيها، وفي إطار «حرب السيطرة على الشرائح الذكية» الدائرة بين أمريكا والصين، والتي تمتلك الولايات المتحدة النصيب الأكبر في تكنولوجيتها وبراءات الاختراع فيها، بينما تعد الصين المستهلك الأكبر لأشباه الموصلات في العالم، وكل من الطرفين يسعى للسيطرة على الصناعة برمتها.
وتعد تايوان بؤرة صناعة أشباه الموصلات، وتنتج 50 % من الشرائح الذكية في العالم، و90 % من الفئة العليا، والمستخدمة في الصناعات الكبرى والعلامات التجارية الأعلى قيمة في العالم، والتكنولوجيات العسكرية المتطورة.
وتحاول الولايات المتحدة استقطاب تايوان وتدعمها حفاظاً على موارد تلك الصناعة وخصوصيتها، وفي الوقت نفسه لتحجيم التنين الصيني، وشغله ببؤرة صراع حدودي، وهو الأمر الذي تدركه تايوان فتسقوى بالكيان الأمريكي والدعم الأوروبي، وفي اجتماع أخير بين جوزيف وو وزير خارجية تايوان مع كيفن مكارثي المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، ووفقاً لصحيفة تايمز قال وو إن الصين بصدد شن حرب على تايوان، في محاولة للاستقواء بالغرب.
مطرقة وسندان
وتايوان واقعة بين مطرقة الجار الصيني وسندان الدعم الأمريكي، الأمر الذي جعل الخلاف بين الدولتين، تقع ضحيته الجزيرة، وهو الأمر الذي تجسد في تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي قال إن أمريكا ستأتي إلى تايوان لحمايتها.
وهي حماية ليست من أجل اتفاقيات شراكة، وإنما تأتي بسبب صناعة أشباه الموصلات والشرائح الذكية في تايوان، والتي لن تقبل أمريكا بوقوعها في أيادي الصين، وعبر عن ذلك روبرت أوبرين مستشار الأمن القومي السابق في حكومة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي قال إنه قبل أن تقع مصانع أشباه الموصلات في أيدي الصين ستدمرها الولايات المتحدة تماماً، لتتسلم الصين حطامها.
والشهر الماضي قالت جينا ريموندو سكرتيرة العلاقات التجارية الأمريكية «حقيقة أننا نشتري 90 % من الشرائح الإلكترونية التي تحتاجها الولايات المتحدة من تايوان.. أمر في غاية الخطورة، أمريكا وأوروبا واليابان يضعون «تي إس إم سي» تحت ضغط شديد، الجزيرة كلها تقع تحت ضغط وتهديد بسبب ذلك، لهذا خصصت الولايات المتحدة 40 مليار دولار لبناء مصنع جديد للشرائح الذكية في أريزونا، وهناك مفاوضات لبناء واحد آخر في ألمانيا».
ضغط
وعلى قدر ما يبدو ذلك التوجه لصناعة أشباه الموصلات مخففاً للضغط على تايوان، إلا أنه يأتي على النقيض تماماً، حيث إن نقل صناعة أشباه الموصلات من تايوان يكشف درع الحماية عن الجزيرة ويجعلها صيداً سهلاً للصين، ولذلك تزايدت المخاوف التايوانية في الفترة الأخيرة، مع الأنباء التي ترددت حول تقليل المصنع الأكبر في العالم لصناعة أشباه الموصلات «تي إس إم سي» للإنتاج، وهو الذي اعتبره محللون نذيراً بتسليم الراية للمصنع الأمريكي الجديد، الأمر الذي نفاه وانغ مي هوا وزير الاقتصاد التايواني، قائلاً: «ليس حقيقياً أن تي اس ام سي تخفض من توسعها أو تمددها في صناعة أشباه الموصلات، تلك الصناعة تجعل من تايوان مركزاً رئيسياً للصناعة والأبحاث عالمياً، ولن يمكن المساس بها تحت أي ظرف».
في الوقت نفسه قال موريس تشانغ مؤسس شركة صناعة أشباه الموصلات التايوانية «تي إس إم سي»، والذي يعتبر الأب الروحي لتلك الصناعة، قال إن توسع أمريكا في إنشاء مصانع لإنتاج أشباه الموصلات إضاعة للوقت والأموال، مضيفاً: «في حالة قيام حرب، لدينا العديد من الأشياء لنخسرها أكثر من مجرد أشباه الموصلات».
والحقيقة الخالصة في الوقت الحالي، أن العالم لا يستطيع العيش دون أشباه الموصلات، وقد ينهار الاقتصاد العالمي في شكله الحالي في حالة انهيار تلك الصناعة، وبالتالي طالما بقيت تايوان مركزاً لتلك الصناعة ستظل محمية، بينما في الوقت نفسه خروج تلك الصناعة من الجزيرة لن يكشف عنها الحماية، حيث إنه لا أحد سيهتم بتايوان في حال تجردت أو أصبحت هامشية في عالم الشرائح الذكية وأشباه الموصلات، وبناءً ربما قد تزول أسباب الصراع من الأساس.