لا يزال الجدل قائما في فرنسا بعد أن اتهمت العديد من الجهات الفاعلة الحكومة بنقل هذه الفئة من المجتمع مع اقتراب كأس العالم للرجبي في سبتمبر المقبل والألعاب الأولمبية في صيف عام 2024 بحجة عدم قدرة الفنادق على استيعابهم في مواجهة تدفق السياح خلال هذين الحدثين الرياضيين.
فقد طلبت السلطة التنفيذية منذ منتصف مارس الماضي، من رؤساء المقاطعات إنشاء “مناطق استقبال إقليمية مؤقتة” في جميع المناطق، باستثناء “هوت دو فرانس” وكورسيكا، من أجل تخفيف الضغط على مراكز الإقامة في “إيل دو فرنسا”.
ويتعلق هذا النظام بشكل أساسي بالمهاجرين الذين يعيش الكثير منهم في منطقة “إيل دو فرانس” في الشوارع أو في مساكن طارئة أو في المخيمات. لكن مكتب وزير الإسكان قال لفرانس برس “إنه لا يستهدفهم على وجه التحديد بموجب ’مبدأ الاستقبال غير المشروط‘”.
نظام قديم
ويبدو أن هذا النظام ليس وليد اليوم، إذ منذ عام 2021، وضعت الحكومة بالفعل نظامًا مشابهًا، لكنها ركزت فقط على طالبي اللجوء. وبحسب تقرير برلماني نُشر يوم الثلاثاء 23 مايو، فإن هذا النظام “أثبت جدواه وفعاليته”، لكن ربع الأشخاص المعنيين رفضوا مغادرة “إيل دو فرانس”.
وعلى هذا الأساس، يدعو التقرير في المقابل الدولة إلى تنسيق عمليات النقل بشكل أفضل مع البلديات، وتوفير حماية أفضل للمسؤولين المحليين المنتخبين. لأن عمليات النقل هذه، كما يذكر المؤلفان، هي “موضوع استغلال سياسي أدى إلى تهديدات وأعمال عنف” ضد المسؤولين المنتخبين، بلغت ذروتها باستقالة عمدة “سان- بريفان- ليه- بانس” في “لوار أتلانتيك”، غرب فرنسا، مؤخرًا بعد حرق منزله بشكل متعمد بسبب إعلانه نيته نقل مركز استقبال اللاجئين، كان موجودًا في المدينة منذ عام 2016، ما أثار احتجاجات من طرف اليمين المتطرف.
ظروف غير ملائمة
وبالنسبة لـ”فدرالية الفاعلين المتضامنين”، التي ردت على أسئلة موقع “سكاي نيوز عربية” ببلاغ لها في هذا الشأن، فترى أن “الجزء الأكبر من الشروط المطلوبة لنجاح هذا النظام لم يتم الوفاء بها اليوم، لا سيما فيما يتعلق بالتنسيق مع السلطات المحلية، وعدد ونوعية أماكن الإقامة المتاحة والمخطط لها، فضلا عن وسائل الدعم الاجتماعي”.
وتشير إلى أنه “على الرغم من أن عدد أماكن الإقامة الطارئة قد وصل إلى مستويات عالية تاريخياً، نحو 205 آلاف مكان، تظل الحقيقة أن الناس في جميع أنحاء البلاد لا يزالون بلا مأوى ووسائل الدعم الاجتماعي للأشخاص ليست كافية. وبالتالي، فإن الحكومة لا تعطي لنفسها وسائل نجاح هذا النظام”.
وتؤكد في المقابل “تمسكها المستمر بمبدأ التضامن الوطني من خلال الاستقبال الكريم للمهاجرين المشردين في مختلف المناطق الفرنسية، مع الإصرار على تنفيذ تحول جوهري يهم مقاربات ممارسات توزيع المهاجرين التي تطبق منذ عدة سنوات”.
ويبدو أن برنامج الحكومة الخاص بإعادة توزيع المهاجرين والمشردين لم يعجب بعض رؤساء المقاطعات المعنية، إذ أعرب رئيس بلدية مدينة بروز، شمال غرب فرنسا، في بيان صحفي عن “عدم تأييده” إقامة الغرف الانتقالية في بلدته في ظل ظروف يعتبرها “غير إنسانية”.
أما مجلس مدينة بريتون، فيقول إنه وضع “أمام أمر واقع”، دون استشارة مسبقة. وينتقد اختيار الأرض التي سيتم استقبال المهاجرين فيها، “تحت جسر سيارات”، “مجاور لخط سكة حديد” و”ملوثة بالمحروقات والمعادن الثقيلة”. ويؤكد أن القادمين إلى مركز الاستقبال مستقبلا لن يأتوا باختيارهم.
عصفوران بحجر واحد
وأمام هذا الجدل القائم منذ أسابيع، دافع وزير الإسكان، أوليفييه كلاين يوم الأربعاء 24 ماي، عن هذا المشروع، مؤكدًا أنه يجعل من الممكن “الترحيب بشكل أفضل بالمشردين قبل مرافقتهم نحو السكن الدائم والاندماج الاجتماعي المستدام”. نافيا بشكل قاطع بأن هذه العملية تحدث في إطار التحضير لكأس العالم للرغبي المنتظر انطلاقها في سبتمبر المقبل في فرنسا، أو الألعاب الأولمبية في صيف عام 2024 رغم المواعيد التي تثير التساؤلات.
ويرى العضو المؤسس لجمعية “يوتوبيا 56” التي تدعم المهاجرين، يان مانزي في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الحكومة الفرنسية تضرب عصفورين بحجر واحد.
ويوضح، “رغم عدم اعتراف الدولة، هي أولا تريد تنظيف العاصمة قبل هذين الحدثين الرياضيين، وثانيا تلبي مطلب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون الذي أعرب بداية الخريف الماضي خلال كلمة ألقاها أمام المحافظين عن رغبته في توزيع المهاجرين بشكل أفضل عبر الأقاليم وعدم تركزهم في منطقة معينة”.
ويعتبر مانزي أنه “حل جيد لمستقبل المهاجرين المشردين في حال تمت دراسة كل حالة على حدة مع توفير الموارد المالية لاستقبالهم في الجهات”.