وفقا لما أعلن الوزير المسؤول عن الحسابات العامة غابرييل آتال في مقابلة مع صحيفة “لو باريزيان”، تعتزم الحكومة “تشديد” شروط الإقامة في فرنسا “للاستفادة من المساعدات الاجتماعية”، عبر إرساء خطة واسعة لضبط “المستفيدين زورا” من تلك المعونات.
الوزير الذي أشار إلى أن هناك أكثر من مليون متقاعد يتلقون معاشاتهم وهم خارج فرنسا، نصفهم خارج الاتحاد الأوروبي وأكثر من نصف هؤلاء (300 ألف) في الجزائر لوحدها، أكد أن هذا الإجراء سيدخل حيز التنفيذ في 1 سبتمبر المقبل، وذلك في إطار تعديل لقانون تمويل الضمان الاجتماعي لعام 2023 (المعروف باسم قانون إصلاح المعاشات التقاعدية) الصادر في 14 أبريل الماضي.
وبالتالي، سيكون من الضروري الآن على المهاجرين المتقاعدين قضاء 9 أشهر من العام في البلاد، مقابل 6 أشهر حاليا، ليتمكنوا من الاستفادة من مخصصات الأسرة أو الحد الأدنى للشيخوخة، وينطبق الشيء نفسه على مساعدات الإسكان التي لا تتطلب حاليا سوى 8 أشهر من التواجد على الأراضي الفرنسية.
وترغب الحكومة أيضا أن تكون هيئات الحماية الاجتماعية قادرة على التحقق من قوائم ركاب شركات الطيران من أجل اكتشاف الاحتيال المحتمل، كما أن وزارة المالية تريد التحقق مما إذا كان العمال المهاجرون المتقاعدون يحصلون على معاشاتهم وفقا للقانون، خصوصا أولئك الذين توفوا لكن معاشاتهم التقاعدية ما زالت ترسل إلى حساباتهم خلافا للقانون.
قمع الحقوق الاجتماعية للـ”شيباني”
وتهم هذه الخطة بالأساس الآلاف من المهاجرين القادمين إلى فرنسا من الجزائر والمغرب وتونس في فترة الشباب، وتحديدا خلال الثلاثينيات المجيدة (1946-1975)، الذي كانوا يعملون في مهن شاقة من بينها البناء أو الزراعة أو المناجم أو المعامل، وغيرها من المهن التي تتطلب يدا عاملة.
هذه الفئة من المهاجرين أو ما يعرف في فرنسا باسم “الشيباني” (المسن باللهجة المغاربية)، تتراوح أعمارهم حاليا بين 75 و82 عاما، وجدت نسبة كبيرة منهم نفسها مضطرة للبقاء على الأراضي الفرنسية بعد التقاعد، والعيش ذهابا وإيابا بين ضفتي البحر المتوسط للحصول على “بدل التضامن للمسنين”.
وفي حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، يعتبر رئيس الجمعية الفرنسية المغربية “كاب سود MRE” سالم فكير، المعروف بنضاله الطويل لحل ملفات “الشيباني” العالقة، أن “الاحتيال الفعلي هو ما تعرضت له هذه الفئة”.
ويتابع: “هذه المساعدات الاجتماعية التي تدفع لبعض المسنين، بالإضافة إلى معاشهم البخس، تسمح فقط بالحصول على ما يعادل الحد الأدنى للشيخوخة، وذلك بسبب احتيال رب العمل خلال سنوات مضت وعدم تصريحه بساعات عملهم كاملة أو بالساعات الإضافية أو بإجازاتهم المرضية”.
لكن، للحصول على هذه المساعدة، يجب على العامل المتقاعد الأجنبي أن يثبت أنه يقيم بشكل مستقر ومنتظم، أي أنه عليه أن يقضي مدة لا تقل عن 6 أشهر ويوم في السنة داخل فرنسا، حسب فكير.
وفي المقابل، يعتبر أن “بدل التضامن للمسنين خلق لأن الحكومة الفرنسية تعلم بالخداع الذي تعرض له هؤلاء المتقاعدون، فلماذا هذه المماطلة؟ وعن أي احتيال تتحدث وهي تعلم أن المسنين لديهم الحق في معاش كامل ولائق؟”.
ويبدو أن قرار تمديد المدة باغت فكير الذي كان يطمح لخوض نضال جديد يسمح بتقليص هذه المدة أو التخلي عنها، خصوصا أنه سبق له خوض معركة توجت يوم 23 يوليو 2019 بسن قانون جديد يمكن المتقاعدين من عمال شمال إفريقيا الذين يحصلون على معاشهم كاملا من دون الحاجة إلى مساعدات أو علاوات، من العودة والاستقرار في بلدانهم الأم مع استفادتهم من حقوق الضمان الاجتماعي التي تسمح لهم مثلا بتلقي العلاج دون مشاكل.
ونفس الإحساس بالإحباط والحزن اعترى محمد ولد الحاج، الرجل التونسي المسن الذي يتعدى سنه 80 حسبما أخبر موقع “سكاي نيوز عربية”.
ويتابع ولد الحاج: “تعرضنا لخداع كبير. لم نكتشف تلاعب صاحب العمل بساعات عملنا إلا بعد التقاعد. لو لم نكن أرباب أسر كبيرة تعول على معاشنا الذي لا يتعدى 500 يورو لما بقينا هنا نتسول حقوقنا”.
ويظن ولد الحاج الذي كان يعول على زيارة بلده بداية سبتمبر المقبل أنه عليه أن يقبل فكرة الموت وحيدا في نزل بعيدا عن عائلته، بعد تطبيق هذا التمديد.
وبحسب الحكومة الفرنسية، فإن ما بين 6 و8 مليارات يورو من أموال المساعدات الاجتماعية تذهب سنويا إلى غير مستحقيها بسبب عمليات احتيال.
وشدد الوزير المسؤول عن الحسابات العامة غابرييل آتال على أن “الاحتيال الإجتماعي على غرار التهرب الضريبي، أشبه بضريبة خفية مفروضة على الفرنسيين العاملين”.
ووعد في هذا الشأن بأن يتم قبل انتهاء ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون في مطلع 2027، استحداث ألف وظيفة في مجال مكافحة عمليات الاحتيال هذه، مشيرا إلى أن الحكومة تعتزم كذلك استثمار مليار يورو لتطوير نظم المعلوماتية.