صراع المسيرات.. بوتين يأمر بتسريع إنتاج المسيرات الانتحارية

10


مهمات الاستطلاع والتجسس و الرصد والاستهداف، جعلت المسيرات تؤدي دورا حاسما في الاستراتيجيات الجوية والعسكرية للقوى الكبرى والصغرى. فتلك الطائرات الأشبه بألعاب تسلية ما من طرف مستعد بشكل كاف لمواجهتها، ورغم ذلك فإن الجميع يريد اقتناءها لا بل تصنيعها.

فكيف تعيد هذه المسيرات رسم خريطة الحروب وسط سهولة تصديرها وتسييرها؟، وكيف وضعت السيادةَ الجوية الحاسمة في متناول قوى لم تكن تحلم بها يوماً؟

أوكرانيا وأسراب المسيرات

لم يشهد التاريخ صراعاً عسكرياً استُخدمت فيه المسيرات أكثر من الحرب في أوكرانيا، رغم أن استخدامها يعود للحرب العالمية الأولى في مهام رصد واستطلاع نفذتها بريطانيا والولايات المتحدة.

وبعد أكثر من قرن، تحولت أراضي أوكرانيا إلى مختبر لمُسيَّرات تحمل رسائل متفجرة لتشكل إحدى أهم الظواهر العسكرية لعقود طويلة قادمة. ولم تسلم سوى مدن أوكرانية قليلة من أسراب المسيرات التي أطلقتها كل من روسيا وأوكرانيا منذ بداية الحرب.

خسارة 10 آلاف مسيّرة شهرياً

ويشار إلى أن لحرب المسيرات تكلفة باهظة، حيث تخسر أوكرانيا وحدها في هجماتها  كل شهر نحو 10 آلاف طائرة من دون طيار، بما في ذلك مسيّرات المراقبة والمسيرات الانتحارية، أو ما يعرف بـ”كاميكازي”.

ويقول منظمو حملة جيش الطائرات بدون طيار إنهم قاموا ببناء أو شراء 3300 طائرة بدون طيار إضافية.

كما استخدمت هذه المسيرات لضرب أهداف روسية على جبهات عدة في أوكرانيا، بما فيها ميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، ووصلت حتى إلى الداخل الروسي بشكل متزايد، بعضها تم صده والبعض الآخر أصاب أهدافه.

وقد أمطرت روسيا، بدورها، أوكرانيا بوابل من الطائرات المسيرة، أثارت الرعب في العديد من المدن على رأسها العاصمة كييف، ترافقت في كثير من الأحيان مع هجمات صاروخية.

واشطن.. رهانات عالية السقف على المسيرات

حتى نهاية التسعينيات، كانت المسيرات أداة للتجسس والاستطلاع، لكن واشنطن كانت أول من أيقن منذ 22 عاماً قدرتها على تغيير المعادلات العسكرية والسياسة.

وأدركت الولايات المتحدة عام 2001 أن الطبيعة الجغرافية الصعبة في أفغانستان تحتم عليها استخدام طائرات من دون طيار، وقد اعتمدت واشنطن مسيّرات “أم كيو 1 بريداتور” في عمليات مكافحة الإرهاب، عرفت بـPredator MQ1 كسلاح رئيسي في عملياتها ضد تنظيم القاعدة وطالبان. واستخدمتها مجددا في اليمن في مهام لمكافحة الإرهاب وكذلك في العراق منذ عقدين من الزمن.

وقد كان يؤخذ على هذه الطائرات حينها أنها تصيب أهدافاً عن طريق الخطأ، رغم تقنياتها المتطورة وقدرتها على جمع المعلومات الاستخباراتية.

“أم كيو 1 بريداتور”.. أبرز المميزات

  • وزنها 1020 كلغ.
  • يتجاوز وزن طائرة إم كيو 1 محملة نحو طن.
  • هي من فئة المسيّرات الثقيلة الأشد خطورة نظراً لطبيعة المهام الموكلة إليها.
  • قادرة على التحليق على ارتفاع نحو 7620 متراً.
  • يمكن تسليحها بصاروخين موجهين.
  • سرعتها نحو 130 كم/ساعة، ويبلغ مداها 1100 كم.
  • تبلغ تكلفتها 40 مليون دولار.

 “بيرقدار TB2“.. العصا السحرية

بقي استخدام هذا النوع من المسيرات مقتصرا على عدد قليل من الدول المقتدرة. لكن مع تطور أنظمة الملاحة والتقنيات اللاسلكية، ظهر نوع آخر من الطائرات العسكرية بدون طيار، ليس في واشنطن هذه المرة بل في إسطنبول.

وقد لجأت تركيا العالم في 2014 عندما أدخلت مسيرة بيرقدار TB2 الخدمة، من الفئة المتوسطة، إلى استخدام هذه المسيرة في عمليات هجومية أو انتحارية محدودة.

وبدأت تكتسب “بيرقدار TB2” سمعة على نطاق أوسع خارج تركيا في 2020 عندما أرسلت تركيا شحنات منها إلى أذربيجان، استخدمتها ضد القوات الأرمينية في إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه، مما أتاح لها تحقيق مكاسب على الأرض.

وكان لهذه المسيّرات التركية تأثير أيضاً على مجريات النزاع في إثيوبيا لصالح القوات الإثيوبية ضد جبهة تحرير تيغراي، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في 2021.

وفي الحرب في أوكرانيا حيث كانت الشركات الأوكرانية هي المنتجة لمحركات قبل الحرب. وقد وصفت صحيفة “لاكروا” الفرنسية في مقال مسيرة بيرقدار بالعصا السحرية التي مكّنت الأوكرانيين من عرقلة تقدم الروس، حيث ساعدت المسيرات الجيش الأوكراني في الصمود في بعض الجبهات بشكل فاجأ الأوكرانيين أنفسهم، في مواجهة ثاني أقوى جيش في العالم، رغم أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية تمكنت من تدمير العديد منها منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

مواصفات “بيرقدار TB2

  • بيرقدار TB2 قادرة التحليق على ارتفاع يصل إلى نحو 9 كم.
  • وزنها الأقصى عند الإقلاع 700 كغ ويمكنها حمل 150 كغ من المتفجرات.
  • قادرة على الطيران 24 ساعة متواصلة.
  • يمكن تزويدها بصواريخ خارقة للدروع وموجهة بالليزر.
  • تتراوح تكلفتها بين مليون وخمسة ملايين دولار.

 مسيّرات “شاهد-136” الإيرانية

ومثلما ساهمت المسيّرات التركية في دعم أوكرانيا في مسار الحرب، كانت المسيرات الإيرانية تعمل لمصلحة روسيا.

ففي أغسطس 2022، أرسلت إيران أرسلت شحنة من طائراتها المسيرة لاستخدامها في أوكرانيا، وفق صحيفة واشنطن بوست.

وفي الشهر التالي، أعلنت أوكرانيا للمرة الأولى إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية تابعة للقوات الروسية مقاطعة خاركيف.

ورغم نفي الحكومة الإيرانية تزويدها الجيش الروسي بمسيرات، تتحدث الرواية الأوكرانية والغربية عن أن روسيا تستخدم طرازي “شاهد-136″، و”مهاجر-6” من بين مسيرات أخرى في حرب أوكرانيا.

مسيّرة “شاهد-136″ الإيرانية

  • هي مسيرة انتحارية من الفئة الخفيفة هدفها الاقتراب من الهدف والانفجار أمامه.
  • يصل مداها إلى 2500 كم.
  • تزن نحو 200 كغ.
  • تناهز سرعتها 185 كم/ الساعة.
  • تبلغ بين 20 و50 ألف دولار.
  • أبرز ما يميزها أنها منخفضة التكلفة، بين 20 إلى 50 ألف دولار، وتوفر على روسيا، في بعض الحالات، اللجوء إلى صواريخ “كروز” التي تكلفها نحو مليوني دولار، وفق خبراء عسكريين.

 مسيرة “مهاجر-6” الإيرانية

  • قادرة على حمل 40 كغ من القنابل الذكية.
  • سرعتها 200 كم/الساعة.
  • قادرة على التحليق لـ12 ساعة متواصلة.

 الصين تدعم روسيا في صناعة المسيرات

وقد تتحدث صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن محققين دوليين عن دور للصين في مساعدة إيران على إمداد روسيا بالمسيّرات. وتُرجمت الشراكة العسكرية الروسية الإيرانية في تعاون نقلها من الاستيراد إلى التصنيع على الأراضي الروسية. 

كما أكد البيت الأبيض نفسه أن روسيا تتلقى موادا من إيران لبناء مصنع للطائرات المسيّرة على أراضيها سيعمل بطاقته الكاملة مطلع 2024.

ويقع المصنع يقع في منطقة ألابوغا الاقتصادية الخاصة، على مسافة نحو 900 كيلومتر شرق موسكو.

 مسيّرة “زالا لانسيت” الروسية.. كابوس الأوكرانيين

وتعتمد روسيا بشكل أساسي على المسيّرات الانتحارية الخفيفة، حاملات الذخائر الجوالة في سماء أوكرانيا.

واعتبرت  المسيرة الروسية، زالا لانسيت كابوساً أرّق الأوكرانيين، حيث تصل سرعتها إلى 300 كم/ساعة وهي رشيقة ويبلغ مداها يصل إلى 40 كم، وتحمل رؤوساً شديدة الانفجار فتاكة شديدة الإنفجار، تصل إلى 300 كغم.

وهي أيضا مباغتة وفق الجيش الروسي، بحكم أن محركها الكهربائي يسمح لها بتقليل مستوى الضوضاء مما يعزز من عنصر مفاجأة العدو.

مسيّرات صينية تجارية

ووفق لمصادر حربية، تم تأكيد إسقاط أوكرانيا في إقليم دونباس، مسيرة من طراز Mugin-5 صنعتها شركة صينية، واستخدمها الجيش الروسي بعد إعادة تحديثها.

وتعرف هذه المسيرات المصنعة في مدينة شيامن باسم “طائرات علي بابا”، وهي متاحة للبيع بسعر يصل إلى 15 ألف دولار على منصات تسوق إلكتروني.

ووفق نيويورك تايمز، فإن الصين قد باعت روسيا طائرات بدون طيار وقطع طائرات مسيرة بأكثر 12 مليون دولار، منذ بداية حرب أوكرانيا.

وقد لجات أوكرانيا بدورها إلى المسيرات القتالية منخفضة التكلفة وطورت محليا عشرات الطائرات، وأبرزها مسيرة “Khrush” يتراوح مداها بين 10 و20 كيلومتراً. وبلغت تكلفتها 2000 يورو، وفق صحيفة تلغراف البريطانية.

مسيّرة “إم كيو-9 ريبير” الأميركية.. المسيرة الأقوى

وفي الحرب في أوكرانيا، اعترضت مقاتلتان روسيتان من طراز سو 27 مسيرة أميركية من طراز أم كيو 9 ريبر فوق البحر الأسود، في أخطر احتكاك عسكري بين روسيا والولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. مما أدى إلى سقوط المسيرة الأميركية.

وتعتبر المسيّرة “إم كيو-9 ريبير” من أحدث المسيّرات الأميركية، وقامت بمهام فوق العراق وأفغانستان وسوريا ودول أخرى، ويعد الجيش الأميركي من أبرز مستخدميها.

وتحدثت تقارير أنها استخدمت في قتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد في 2020.

كما استخدمت في قتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بالعاصمة الأفغانية في 2022، مما يعكس تغييرا جذرياً في استراتيجية المواجهة البرية وفي طريقة اغتيال أكثر الرجال المطلوبين لدى الولايات المتحدة.

“إم كيو-9 ريبير”.. المسيرة الأعلى تكلفة

  • هي المسيرة الأعلى تكلفة في العالم يبلغ سعرها 30 مليون دولار.
  • يمكن أن تحمل “إم كيو-9” ما يصل إلى 8 صواريخ موجهة بالليزر، و16 صاروخا من طراز هيلفاير (Hellfire).
  • يصل وزنها إلى 5 أطنان، بينما تتجاوز سرعتها القصوى 300 كيلومتر/ساعة.
  • يمكنها الطيران لمسافة تتجاوز ألفي كيلومتر من دون التزود بالوقود.
  • قادرة على التحليق لأكثر من 40 ساعة.

 مسيّرة “CH-5” الصين الجبارة

وأمام وجه التفوق الأميركي في هذا المجال، اقتحمت الصين بقوة عالم تصنيع المسيرات في السنوات الأخيرة مع مسيرات أبرزها “CH-5″، التي تشبه في تصميمها المسيرة الأميركية الجبارة “MQ-9”.

وتمتلك مميزات المسيرات القتالية الحديثة، تبلغ  سرعتها القصوى 480 كم في الساعة.

ويتجاوز وزنها بكامل حمولتها طنين كلغ بما فيها 900 كلغ من الأسلحة، ويصل مداها إلى 10 كم. وتبلغ تكلفتها نحو 17 مليون دولار دولار.

وقد سلّمت الصين العام الماضي، 220 مسيرة إلى 16 دولة، أهمها المسيرتان “وينغ لونغ 1 و2″، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وتعدّ تلك المسيرات أرخص بكثير من نظيرتها الأميركية.

ويثير توسُّع استخدام المسيرات في العمليات العسكرية تساؤلات عن مستقبل هذه الصناعة التي نمت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وتنتظر حرب المسيرات بين روسيا وأوكرانيا، ذخيرة متسكعة، لم تدخل على خط المواجهة بعد.

مسيّرة “كاميكازي بريفيت-82” الروسية

  • سلاح صغير يقول مطوروه الروس إنه يتعب الدفاعات الأوكرانية الجوية، أكثر مما تفعل المسيرات الانتحارية الأخرى.
  • يصل مداها إلى 30 كيلومترا.
  • يمكن أن تصل سرعتها إلى 140 كيلومترا في الساعة.
  • لا تتجاوز كلفتها 1300 دولار،.
  • قادرة على حمل رأس حربي يبلغ وزنه نحو 600 كغ.

كما ستكون ساحات القتال أيضا على موعد مع الطائرة التركية “بيرقدار قزل إلما” التي سجلت اسمها في تاريخ الطيران كأول مقاتلة مسيّرة تحلّق في الأجواء برفقة مقاتلات إف 16 لتكون أول مقاتلة مسيرة تحلق ضمن سرب مع مقاتلات أخرى مأهولة، وفق شركة “بايكار” التركية المصنّعة لها.

أما الصين، فتقترب من إطلاق طائرة تجسس بدون طيار أسرع من الصوت. وستمنحها المسيرة من طراز “WZ-8″، التي تحلق بسرعة ثلاثة أضعاف سرعة الصوت، ميزة مراقبة نوعية في أي مواجهة عسكرية محتملة مع تايوان، وفق تقييم عسكري أميركي مسرّب، حيث لا تزال قطع الموت الصغيرة تخوض في الجو أشرس الحروب منذ الحرب العالمية الثانية في أكبر بلدان شرق أوروبا، وبمشاركة قوى كانت من دون حضور بارز على خارطة سوق السلاح التقليدية.

فهل غيّرت هذه الذخيرة المتسكعة طبيعة الحروب من غير رجعة بتفوقها على صواريخ أغلى منها 100 مرة؟

وكيف ستفتح الباب أمام سباق تسلح بأنظمة دفاع مضادة تشغل مختبرات السلاح في ابتكار أنظمة رصد وتشويش وإسقاط فتحولها إلى أداة عديمة الجدوى؟