ويبدو التراجع في حجم الطبقة الوسطى أكثر وضوحا في البلدان التي تشهد عملاتها انخفاضا أكبر مثل كينيا ونيجيريا وغانا وجنوب أفريقيا.
وعند إغلاق الأسواق الجمعة بلغ سعر الدولار الواحد 794 نيرة مقارنة بـ 447 في نهاية تداولات 2022؛ كما انخفضت العملة الكينية إلى 141 شلن مقابل الدولار الواحد من 123 شلن في نهاية 2022؛ وفي غانا أغلق الدولار عند 11سيدي مقارنة مع 9 سيديهات بنهاية العام الماضي؛ ويبلغ معدل التضخم في غانا حاليا نحو 42 في المئة مقابل 21 في المئة لنيجيريا و7.9 في المئة لكينيا.
ويعتبر الحفاظ على نمو الطبقة الوسطى أمرا حيويا في خلق التوازن في المجتمعات الأفريقية؛ ففي حين تتسع رقعة الفقر التي تشمل أكثر من 60 في المئة من إجمالي سكان القارة البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة تتركز الثروات الخاصة في نطاق محدود جدا حيث يسيطر21 فردا فقط في أفريقيا على الأصول التي تزيد عن مليار دولار؛ ويمتلك 136 ألف شخص فقط ثروات تزيد عن مليون دولار؛ وفقا لتقرير الثروة العالمي الصادر في الربع الثاني من 2023 عن مجموعة هنلي للاستشارات المالية.
وطوال السنوات الماضية؛ ظلت الطبقة الوسطى تعطي قوة دفع كبيرة للاقتصاد الأفريقي حيث كانت تقود بشكل كبير النمو المضطرد في الإنفاق الاستهلاكي؛ لكن مع ارتفاع أسعار السلع والتآكل المستمر في القوة الشرائية للعملات المحلية منذ بداية العام الحالي تراجعت قوة الدفع الاستهلاكي كثيرا مقارنة مع الأعوام الماضية مما زاد من الأعباء التي تواجهها العديد من اقتصادات القارة.
وتحت ضغط الأوضاع الاقتصادية الصعبة؛ وارتفاع أسعار السلع يضطر الملايين من السكان إلى تقليص نفقاتهم إلى الحد الأدنى.
ويؤكد أنتوني مجوك أن الظروف الاقتصادية الحالية أثرت على الكثير من الموظفين ومتوسطي الدخل في العديد من دول القارة وأجبرتهم على تقليص الإنفاق؛ مشيرا إلى أن الارتفاع الحاد في معدلات التضخم أكل كل مدخرات الأسر.
ويوضح مجوك لموقع سكاي نيوز عربية “كانت هنالك بعض الصعوبات في الأعوام الماضية لكن الأمر تفاقم أكثر في العام الحالي؛ وبالتالي لن يكن في مقدور الكثير من متوسطي الدخل التأقلم مع الوضع الحالي“.
وبشكل عام؛ تراجعت خلال النصف الأول من 2023 أسعار صرف معظم العملات الأفريقية بنسب تراوحت بين 20 إلى 70 في المئة؛ لأسباب داخلية وخارجية أبرزها تراجع الاحتياطيات المحلية من النقد الأجنبي بفعل ارتفاع تكاليف خدمة الديون البالغة 100 مليار دولار سنويا وزيادة اسعار الفائدة الأميركية إلى 5.25 في المئة الأمر الذي أدى إلى ضغوط تضخمية عالية في تلك البلدان.
وبالتوازي مع الانكماش المتواصل في قيم العملات المحلية تتآكل أجور ودخول الموظفين الذين يشكلون أكثر من ثلثي شريحة الطبقة الوسطى في أفريقيا.
ويشير الخبير الاقتصادي زمدينة نجاتو إلى أن معظم متوسطي الدخل والموظفين باتوا أقل قدرة على الإنفاق في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتآكل القيمة الشرائية للأجور وارتفاع معدلات التضخم.
ويوضح نجاتو وهو رئيس مجلس إدارة صندوق “فير فاكس آفريكا” الاستشاري أن ارتفاع معدلات التضخم يمثل تحديًا في جميع أنحاء إفريقيا إذ يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ويقول نجاتو لموقع سكاي نيوز عربية إن هنالك ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء تدهور الأوضاع الاقتصادية في أفريقيا وهي الانعكاسات السالبة للحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى تعطيل إمدادات الحبوب والطاقة؛ إضافة إلى الانخفاض الكبير في أسعار صرف العديد من العملات الأفريقية بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة.
أما السبب الثالث وفقا لنجاتو فيتمثل في الانعكاسات الناجمة عن الظروف المناخية السيئة في العديد من البلدان الأفريقية وخاصة في شرق أفريقيا والتي تسببت في فشل المحاصيل وأدت بالتالي إلى نقص الغذاء وزيادة الأسعار.
وفي ظل اعتماد الاقتصادات الأفريقية على الإنفاق الاستهلاكي الذي يسهم بأكثر من 50 في المئة من النمو الاقتصادي؛ فإن تراجع كتلة الطبقة الوسطى التي تقود أكثر من 70 في المئة من الاستهلاك السلعي والترفيهي يؤثر بشكل كبير على معدلات النمو التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتراجع إلى متوسط 3.1 في المئة في 2023.