وفي ظل الأزمة التي يعيشها العالم اليوم، بسبب الصراع بين روسيا من جهة، وأوكرانيا المدعومة من الولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى، والتهديدات النووية التي يتم تراشقها، جاء فيلم “أوبنهايمر” ليكون بمثابة “صرخة يقظة” تعيد التذكير بويلات هذا السلاح الفتاك.
وكانت مهمة أوبنهايمر هي التوصل إلى سلاح فتاك يوقف خطر النازيين في عهد أدولف هتلر، والتفوق عليه وعلى داعميه، ووضع نهاية للحرب العالمة الثانية بتفويق أميركي.
واختار العالِم موقعا بالقرب من مدينة سانتا في بولاية نيو مكسيكو، والذي قام الجيش الأميركي بإنشاء مدينة كاملة عليه عُرفت باسم “لوس آلاموس”، والتي ضمت مختبرات جمعت ألمع عقول الفيزياء التطبيقية والنظرية من أميركا وكندا وبريطانيا، والذين عاشوا هناك كذلك مع أسرهم.
قام العاملون هناك بإجراء اختبارات سرية لتطوير أسلحة نووية، ضمن مشروع عُرف بـ”مشروع مانهاتن”، سنة 1942.
ويعد “ترينيتي” موقع أول انفجار قنبلة ذرية في العالم، حيث كان العلماء يجرون تجاربهم، ولا يزال الزجاج الأخضر المشع مبعثر في أرجاء المكان.
وخلال الحرب الباردة، كثفت الحكومة الأميركية إنتاجها للأسلحة النووية – وهو أمر عارضه أوبنهايمر لاحقا في حياته – وبدأت في تعدين اليورانيوم عبر محمية نافاجو، وهي أرض شبه مستقلة مخصصة لسكان أميركا الأصليين.
مأساة قائمة حتى اليوم…
صحيح أن أوبنهايمر اكتسب شهرة عالمية ضخمة، بعد نجاحه ومن معه في التوصل إلى أول قنبلة ذرية في العالم، واستخدامها في قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، مما أدى إلى دمار شامل في تلك المنطقة وإنهاء الحرب العالمية الثانية، لكنه تحوّل أيضا إلى واحد من أكثر الناس المكروهين في نيو مكسيكو.
الكثير من سكان المنطقة المحيطة بمختبرات أوبنهايمر، ذوي الأصل الإسباني، بالإضافة إلى أفراد قبيلة ميسكاليرو أباتشي، وهم من سكان أميركا الأصليين، يكنون كرها للعالِم الراحل، نظرا للمعاناة التي يعيشونها منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
أجيال تعاني
ووفقا لموقع “أكسيوس”، فإن “أجيالا منهم عانت من السرطانات النادرة، بعد سقوط حطام الانفجار (ترينيتي) على المنازل والماشية.
وقالت تينا كوردوفا، وهي إحدى الناجيات من مرض السرطان وشريكة مؤسسة لـ Tularosa Basin Downwinders Consortium، وهي مبادرة تسعى لتقديم تعويضات لـ”ضحايا ترينيتي”: “أوبنهايمر لم يعتذر، ولا الحكومة الفدرالية اعتذرت على الإطلاق”.
وأضافت: “ليس لدي أي شيء ضده، لكنني حقا أحتقر حقيقة أنهم أحضروا مشروع مانهاتن إلى نيو مكسيكو، لأنه غيّر ولايتنا إلى الأبد”.
وانخفض معدل ولادة الأغنام في المنطقة بشكل كبير عقب “ترينيتي”، وكافحت الحملان الباقية على قيد الحياة للمشي. كما ولدت حملان بلا عيون.
أما عمال مناجم اليورانيوم في نافاجو، فأصيبوا بالسرطان وواجهوا فواتير رعاية صحية باهظة.
وهناك أكثر من 500 منجم يورانيوم مهجور اليوم في نافاجو، وفقا لوكالة حماية البيئة. كما أصبحت هناك مستويات مرتفعة من الإشعاع – حتى اليوم – في المنازل ومصادر المياه بالقرب من المناجم المغلقة.
استثناء من التعويضات
ولعل أبرز القضايا التي أعادها الفيلم المنتظر إلى الواجهة، هي أن سكان نيو مكسيكو لم يحصلوا حتى اليوم على أي تعويضات من الحكومة الأميركية، عن المعاناة التي عاشوها، ولا يزالون.
ويمنح القانون الفدرالي الذي أقره الكونغرس عام 1990، تعويضات مالية لعمال اليورانيوم في موقع اختبار نيفادا، ولاحقا لعمال اليورانيوم في ولايات أخرى.
واعتبرت كوردوفا وسكان آخرون في نيو مكسيكو، أن السبب وراء ذلك هو “العنصرية” في القانون الذي يستثني سكان الولاية.
وذكر موقع “أكسيوس” أن الدائرة المدنية بوزارة العدل الأميركية، التي تشرف على برنامج التعويضات، رفضت التعليق، لكن المسؤولين قالوا إن “الكونغرس سيتعين عليه تعديل القانون لتوسيع المدفوعات لسكان نيو مكسيكو”.