وقالت “فاغنر” في الرسالة المنسوبة لرئيسها يفغيني بريغوجين، إن “الأحداث في النيجر كانت جزءا من حرب الأمة ضد المستعمرين”.
وأشارت الرسالة بحسب وكالة “فرانس برس”، إلى أن “المستعمرين السابقين يحاولون كبح جماح شعوب الدول الإفريقية وملئها بالإرهابيين والعصابات المختلفة، مما يخلق أزمة أمنية هائلة”.
موسكو بديلة لباريس
- رغم عدم ظهور أي رابط ببن المجموعة التي نفذت الانقلاب الحالي في النيجر وأي من الأطراف الدولية ذات الوجود القوي في إفريقيا، فإن محللين فسروا رفع متظاهرين في العاصمة نيامي شعارات مؤيدة لروسيا والتحذيرات التي أطلقها المجلس العسكري الحاكم الجديد في النيجر لفرنسا من التدخل في شؤون بلادهم، بأنها مؤشرات ربما تكون في اتجاه الاصطفاف نحو المعسكر الروسي.
- لا يستبعد المراقبون وجود علاقة بين التطورات الحالية في النيجر والتغيرات التي حدثت في بلدان مجاورة خلال الأشهر الماضية، حيث استولت مجموعات عسكرية على أنظمة الحكم في كل من مالي وبوركينا فاسو، واتخذت نهجا رافضا للوجود الفرنسي وأكثر ميلا نحو موسكو.
- قد تربك التطورات الحالية في النيجر الاستراتيجية الجديدة التي تبنتها باريس أخيرا، بعد انسحابها العسكري من مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى عام 2022، ومن بوركينا فاسو بنهاية فبراير 2023.
- كانت فرنسا تسعى من خلال تلك الاستراتيجية إلى اتخاذ النيجر مركزا لوجودها العسكري في المنطقة، حيث أعادت بالفعل نشر الآلاف من جنودها الذين تم إجلاؤهم من مالي وبوركينا فاسو داخل الأراضي النيجرية.
- رغم تنامي النفوذ الروسي خلال السنوات الأخيرة من خلال الوجود المكثف لمجموعة “فاغنر” في عدد من البلدان الإفريقية المضطربة، مثل إفريقيا الوسطى ومالي اللتين كانتا تاريخيا من أبرز المراكز الفرنسية في إفريقيا، فإنه من غير المتوقع أن تتخلى فرنسا كليا عن نفوذها الأمني الكبير في المنطقة التي أولتها أهمية كبيرة في استراتيجياتها العسكرية خلال السنوات الماضية.
- كانت باريس وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 40 دولة إفريقية، ولديها قواعد عسكرية وبحرية في مواقع استراتيجية مختلفة في القارة، علما أن فرنسا نفذت خلال العقود الست الماضية أكثر من 60 تدخلا عسكريا في إفريقيا.
ويرى منسق دراسات الحكم الرشيد في مركز الدراسات الدبلوماسية وأستاذ الإعلام في جامعة ماجدوقري في نيجيريا، أبوبكر معازو، أن الرفض الذي واجهته فرنسا في كل من مالي وبوركينا فاسو خلال الفترة الأخيرة “جزء من حالة استياء شعبي واسع في العديد من البلدان الإفريقية ضد المستعمر القديم”.
ويشير معازو في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن “تزايد موجة الاستياء الشعبي والمطالب بفك الارتباط العضوي مع المستعمر القديم يعود لعوامل تاريخية وتحولات جيوسياسية كبيرة تشهدها القارة حاليا”.
ويوضح: “تعرضت بلدان إفريقيا لأشكال مختلفة من الاستغلال الاستعماري وأعمال التخريب خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال، حيث واصلت الدول المستعمرة استنزاف الموارد من خلال صناعة قيادات موالية لها”.
مطامع القوى الدولية
- تعد إفريقيا من أكثر مناطق العالم جذبا للتنافس الدولي، إذ تسيطر على 30 بالمئة من موارد العالم المعدنية والطبيعية، وبها 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة على كوكب الأرض.
- لكن من جانب آخر، تعاني القارة تفشي الفساد، مما أدى إلى دخول 35 من دولها في قائمة ضمت 46 بلدا صنفتها الأمم المتحدة الأقل نموا في العالم.
- يعيش 574 مليون من سكان القارة البالغ عددهم نحو 1.3 مليار نسمة في فقر مدقع، معتمدين على أقل من دولارين في اليوم.
ووفقا لمعازو، فإن الاستفادة من موارد القارة الإفريقية ظلت أزمة بلا حلول لسنوات، وذلك لأسباب تتعلق بالارتباط المستمر بين اقتصادات العديد من بلدان القارة والدول التي كانت تستعمرها في السابق، إضافة إلى طبيعة الأنظمة الحاكمة.
ويضيف: “من المحبط جدا أن تفشل الحكومات الإفريقية بعد عقود من الاستقلال في التخلص من تبعات المستعمر، وفي وضع أسس وطنية صارمة تجعل مصلحة شعوبها وتنميتها في مقدمة الاولويات”.
وفي ذات السياق، يربط الصحفي التشادي، عبد الله جابر، بين اتساع موجة طرد القوات الفرنسية والمتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، في أعقاب الانقلابات العسكرية بكل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر من جهة، وتزايد موجة الاستياء الشعبي من الوجود العسكري الفرنسي في عدد من بلدان المنطقة من جهة أخرى.
تزايد نفوذ الصين وروسيا
ويقول جابر لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “حكومات العديد من دول غرب إفريقيا تواجه ضغوطا كبيرة في ظل الرفض الشعبي لوجود القوات الفرنسية.
ويعكس التنافس الحالي بين فرنسا والولايات المتحدة وروسيا جانبا من الاستقطاب الأمني الاقتصادي الاستراتيجي الدولي الحاد، حول البلدان الإفريقية الموغلة في الفقر والغنية بالموارد.
ويأتي التدافع من أجل النفوذ في إفريقيا مدفوعا بالحاجات “الجيواقتصادية والجيوأمنية”، لتامين مستقبل ما بعد النفط والتهيئة المسبقة لنزاعات مستقبلية محتملة، وفق جابر.
وشهدت الفترة الأخيرة تحولا كبيرا في العلاقات الخارجية لبلدان المنطقة، فبعد أن سمح تراجع الدور الأميركي خلال العقد الماضي بزيادة نفوذ الصين وروسيا، عادت الولايات المتحدة مجددا للبحث عن مكانتها المفقودة.
وبعد وصول جو بايدن للبيت الأبيض، تحولت السياسة الخارجية للولايات المتحدة من مكافحة الإرهاب إلى منافسة القوى الأخرى في المجالات الاقتصادية والسياسية داخل إفريقيا.