في مشهد أسطوري، وصل إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت والملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا إلى القصر ودخلوا على خلفية الموسيقى الكلاسيكية فيما كان جميع الضيوف واقفين بحسب مقطع فيديو نشرته وسائل الإعلام الإنجليزية.
وبعدها أقيم حفل موسيقي قصير لعازف الكمان السويدي الشاب دانييل لوزاكوفيتش قبل وقت قصير من بدء العشاء في الكنيسة الملكية.
وجلس الملك البريطاني بجانب رئيس الجمهورية، كما جلست الملكة كاميلا بجانب ماكرون، فيما أخذت بريجيت مكانها على يمين تشارلز الثالث.
ويبدو أن استقبال رئيس دولة في فرساي هو تقليد جمهوري، لكن الطريقة التي فتح بها ماكرون أبواب قلعة لويس الرابع عشر لتشارلز الثالث، مليئة بالرموز وثقيلة بالمعاني.
رمزية قصر فرساي
يرى المختص في الاتصال السياسي في معهد العلوم السياسية، فيليب مورو شيفروليه في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “اختيار قصر فرساي لتنظيم هذا العشاء الرسمي لم يكن سابقة. فقد عبّر إيمانويل ماكرون منذ ولايته الأولى عام 2017 عن رغبته في إضفاء طابع ملكي على الاستقبالات الرسمية للرؤساء الأجانب ابتداء من استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فرساي. وفي هذا تأكيد للقوة وتذكير بهيبة فرنسا في الماضي”.
وأضاف فيليب أن “مواقف كثيرة لماكرون تظهر أن الرئيس له أسلوب وممارسة ملكيين. وبهذه الخطوة، هو يحاول إضفاء الشرعية على قوته من خلال تعزيز التقاليد الفرنسية، والاعتزاز بالآثار والعمران والقصور، خصوصا أن هناك التباسا في فرنسا بين الإعجاب بممارسة جمهورية مثالية وثورية في بعض الأحيان والانبهار بالنموذج الملكي”.
أطباق فاخرة وضيوف من النخبة
إلى جانب رمزية قصر فرساي، يعتبر فيليب أن قائمة الأطباق الفاخرة الفرنسية التي تم تقديمها في “خزف سيفر” ووضعها على طاولة ضخمة يبلغ طولها ستين مترا في قاعة المرايا وحضرت على يد طهاة مميزين كان لها أيضا “بعد رمزي قوي. يعطي صورة إيجابية عن فرنسا على المستوى الدولي. كما أن خلق صورة مع نجوم عالميين تظهر جاذبية البلاد”.
وبحسب ما تناولته وسائل الإعلام الفرنسية، فقد كان من أبرز الأطباق، جراد البحر الأزرق، معكرونة الورد ودجاج بريس غولواز أو ما يعرف بدجاج الملوك، وزجاجات من النبيذ بسعر 800 يورو، وتناولها إلى جانب الملك نخبة من المشاهير من عالم الثقافة والسياسة والاقتصاد والرياضة من فرنسا وبريطانيا قدر عددهم بحوالي 150 ضيفا.
سلاح ذو حدّين
ظهوره بهذا الشكل قد يكون سيفا ذو حدين وتقديم عشاء فخم هو أمر محفوف بالمخاطر لرئيس الدولة ماكرون.
وفي هذا الشأن يقول فيليب: “هذا المشهد يمكن أن يثير التعاطف مع ماكرون، إذ من الممكن أن يستفيد على مستوى شعبيته التي تراجعت مؤخرا بسبب الأحداث الجارية، انطلاقا من إصلاح معاشات التقاعد إلى أعمال الشغب، وذلك عبر الاعتماد على شعبية تشارلز الثالث كنقطة انطلاق لاستعادة الارتباط مع الرأي العام وإعادة إضفاء الشرعية على نفسه”.
وحذر فيليب في المقابل، من أنه “يمكن أن تصل الرسالة بشكل سلبي حسب طريقة تناول الإعلام الفرنسي للموضوع، لأنها أرسلت بشكل يتناقض مع الحياة اليومية للفرنسيين. الكثير يعاني من ضعف القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وهناك طوابير طويلة للطلاب أمام البنوك الغذائية”.
ومن خلال اتخاذ هذا الاختيار، يسير ماكرون على خطى التقليد الجمهوري، إذ لفترة طويلة، كانت العادة في الجمهورية الخامسة أن يستقبل رؤساء الدول في فرساي من شارل ديغول إلى فاليري جيسكار ديستان مرورا بجورج بومبيدو، ثم تم التخلي عن هذا التقليد بعد فرانسوا ميتران.
وبحسب وسائل الإعلام الفرنسية فقد طلب الملك تشارلز الثالث نفسه أن يتم استقباله في قصر فرساي، خصوصا أن والدته الملكة إليزابيث كانت الوحيدة التي استقبلت مرتين في هذا القصر.