ت + ت – الحجم الطبيعي
هناك احتمالية كبيرة لأن تمنى التجربة الكبرى لـ «ميتا» في مجال الواقع الافتراضي، بخسائر تشغيلية تفوق 50 مليار دولار بنهاية هذا العام. ورغم أنها حصيلة صادمة، لكنها لم تلفت انتباه الكثيرين إلى حد كبير.
ورغم كل الصعاب والتحديات، كان عام 2023 إيجابياً للغاية لشركة مارك زوكربيرغ للتواصل الاجتماعي. فقد حجزت «ميتا» مكانة مهمة بعالم الذكاء الاصطناعي، من خلال اختيارها مشاركة أعمالها، أو إضفاء صبغة ديمقراطية على الذكاء الاصطناعي التوليدي، في حين يحاول الجميع اكتنازه واحتكاره. وفي خضم ذلك، فقد تعافت الإعلانات الرقمية، ودفعت الإيرادات للأعلى، كما أن سعر السهم يعاود الصعود من جديد إلى مستويات مرتفعة قياسية.
هذا إنجاز كبير بالفعل، إذا ما وضعنا في الاعتبار مدى السوء الذي بدت عليه الأمور في بداية العام. فقد انخفضت الإيرادات السنوية، وتعرضت «ميتافيرس» للسخرية والاستهزاء، بسبب تشخيصاتها الغريبة المفتقرة للأرجل. ورداً على ذلك، أطلق زوكربيرغ عام الكفاءة، فألغى المشروعات ذات الأولوية المنخفضة، وتخلى عن عدد من القوائم، وخفض 21,000 وظيفة، في سياق عمليتي تسريح للموظفين.
لقد أُعجب المستثمرون بهذه الطريقة القاسية، بل الوحشية، وبغض الطرف عن خسائر «ميتافيرس» المُتوقع استمرار زيادتها، والقوى العاملة التي ما زالت أكبر مما كانت عليه قبيل الجائحة، فإن سهم الشركة قد ارتفع بأكثر من 160 % هذا العام.
يمكن أيضاً القول إن بعض الفضل يعود لـ «ميتا» في انتعاش سوق الإعلانات. ولم تتقاسم كافة شركات التواصل الاجتماعي الغنائم، ففي حين ارتفعت إيرادات «ميتا» في الأشهر التسعة الأولى من العام، انخفضت إيرادات «سناب». أما مغامرات إيلون ماسك الطائشة في «إكس»، حيث يتدافع المعلنون هرباً، فتجعل من المقارنة أمراً لا يصب في صالحه.
كانت هناك انتصارات أخرى أيضاً، فمقاطع الفيديو القصيرة على «إنستغرام ريلز» المنافسة لشعبية «تيكتوك»، تُبقي أعين المستخدمين متسمرة بشاشاتهم. هناك أيضاً الإطلاق الانتهازي لمنصة جديدة شبيهة بـ «تويتر»، تُدعى «ثريدز»، والتي سرعان ما حمّلها عشرات الملايين من المستخدمين هذا الصيف، بيد أنها فقدت زخمها بعد ذلك. والمدهش للغاية، أن «ميتا» ما زالت توسّع قاعدة مستخدميها، رغم اشتراك قرابة نصف سكان الكوكب فيها بالفعل.
يبقى هناك أمران لم نرهما كثيراً هذا العام، مارك زوكربيرغ نفسه و«ميتافيرس». فقد مرت أربعة أعوام منذ تكرم مؤسس «ميتا» علينا بالظهور لإعلان قراراته للعام الجديد، ولإخبارنا بالكتب التي يعتزم قراءتها، أو الولايات التي ينوي زيارتها. وبخلاف نزاله مع ماسك عبر الإنترنت، فيبدو أنه تخلى إلى حد كبير عن فكرة بنائه كشخصية عامة. وألقيت تبعات هذا الدور على عاتق نيك كليغ نائب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي يُظهره حسابه على «إنستغرام» بصفة مستمرة مرتدياً حلة وربطة عنق لا تشبهان ما يرتديه المشتغلون في وادي السيليكون، وصار في كثير من الأحيان وجه «ميتا».
في الوقت ذاته، لا يكاد الحديث حول «الميتافيرس» يتناهى إلى مسامع أحد. فقد أطلقت الشركة سماعة رأس رخيصة إلى حد ما للواقع الافتراضي، بقيمة 500 دولار هذا العام، تُدعى «ميتا كويست 3»، وحصلت على تقييمات جيدة إلى حد ما. لكن ليس هناك الكثير لفعله، بمجرد دخولك العالم الافتراضي. كما أن الاهتمام بهذا العالم بارد، وأغلبنا لا يرغب في ارتداء سماعات رأس أثناء العمل، أو عند مقابلة الأصدقاء.
ومن المُفترض أن «ميتا» تُعِد الآن وسائط لربط الذكاء الاصطناعي بالميتافيرس. وفي الوقت الحالي، فالإعلانات عن الذكاء الاصطناعي، هي فقط التي تأتي بالكثير من الحماس. وقد أطلقت «ميتا» هذا الأسبوع «إيماجين»، أداة مستقلة لتوليد الصور، تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتشبه «دال- إي» التي طورتها «أوبن إيه آي». كما أنها وسعت نطاق مجموعتها الغريبة من شخصيات الذكاء الاصطناعي، عبر منصات «إنستغرام» و«واتس آب» و«ماسنجر»، وتختبر «ذاكرة طويلة المدى»، ستتيح لهذه الشخصيات تذكر المحادثات. فإذا كنت ترغب في تبادل الرسائل النصية مع روبوت دردشة لديه وجه عارضة الأزياء كيندال جينر، وسيتذكر عيد ميلادك، فها قد جاءتك الفرصة.
تُرى، هل سيعود «الميتافيرس» في 2024؟ ربما، فبعد كل شيء، لم يكن تعافي «ميتا» مُتوقعاً لدى الكثيرين هذا العام. ويُرجح انخفاض إيرادات وحدة «رياليتي لابز»، التابعة لـ «الميتافيرس»، مقارنة بعام 2022، وهو معيار منخفض، يمكن التعافي منه. لكن تتوقع «ديلويت» زيادةً في التطبيقات العملية التي تركز على المؤسسات، أي أنها ستنطوي على ألعاب أقل، ومزيد من العمل.
لكن «ميتا» أمامها عدد من الأمور الملحة الأخرى، التي يتعين عليها معالجتها. فقد اتهمت نيو مكسيكو هذا الأسبوع، الشركة، بالفشل في حماية المستخدمين، بإتاحتها اقتراح محتوى جنسي لملاك الحسابات من القُصّر. ويرغب مشرعو الاتحاد الأوروبي في معرفة المزيد عن طرق حماية الأطفال على «إنستغرام». أما في الولايات المتحدة، فتحاول لجنة التجارة الفيدرالية، إيقاف تحقيق الربح من بيانات المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً.
ويبدو من المُرجح أيضاً أن الذكاء الاصطناعي سيواصل خطف الأضواء، لأسباب طيبة وسيئة، على حد سواء، فقد أطلقت «ميتا» هذا الأسبوع تحالفاً يضم شركات للذكاء الاصطناعي، ومؤسسات بحثية لتطوير مصادر مفتوحة للذكاء الاصطناعي. ويجب أن نتذكر كذلك أن عام 2024، سيشهد انتخابات في عدة بلدان، بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإندونيسيا والمكسيك والهند وتايوان، ومن شأن المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي، نشر معلومات مضللة، أو تعزيز حملات للمعلومات المغلوطة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولذلك، يبدو من المُرجح أن مشروع زوكربيرغ للواقع الافتراضي، سيواصل المضي قدماً، ولكن بخطوات متثاقلة، مع تكبد المزيد من الخسائر، وتشكيل حصة متناهية الصغر من المبيعات، مع الحصول على اهتمام متواضع من الرأي العام. ربما يكون زوكربيرغ أعاد تسمية «فيسبوك»، وخصص للميتافيرس مليارات الدولارات، لكن ليس بإمكانه إجبارنا على الاهتمام بهذا الميتافيرس.
تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز